الواقعي والمتخيل، ما بين سارتر وبازان وميتز

Wednesday 5 September 2012

الواقعي والمتخيل، ما بين سارتر وبازان وميتز





في مقاله المثير عن "المتخيل" قدم سارتر أحد التحديات الكبيرة أمام السينما الحديثة - وهو كيف يمكن الإمساك بذلك الأمر الغائب عن الإدراك الإنساني . لو أن الكاميرا كما نقترح هى بمعنى ما التماثلة مع العين كوسيلة للإدراك (الحسي) فيجب أيضا على مخرج الفيلم المبدع الإمساك بذلك الذي ليس هناك، ذلك الذي خارج الإطار، ذلك الذي يوجد وراء الأفق الإدراكي في أي لحظة محددة.

وهنا يجب أن نذهب إلى أبعد من تعاليم بازان والظاهراتية في تمثلاتها للحاضر، مجال الإدراك (الحسي) وخبرة الجشتالت وفي هذا السياق تعد اضطرابات المونتاج المقصودة قوى تحرير هائلة. في نفس الوقت فإن المونتاج هو معالجة -حرفية- وليس حلًا. 
يجعل التجاوز الجذري للحضور والغياب للوجود والعدم العلاقة بين الصور معضلة أكثر مرونة بالتأكيد مما يسمح به الانقطاع الحرفي المفاجيء للقطع. هناك دائما شيء حاضر في الوجود هو خارج الإطار الذي يمكن أن يكون عند سارتر غائبا عن الإدراك (الحس) لكنه حاضر في الخيال وهنا فإن إمكان المتخيل لم يكن أبدا أمرا حلميا تماما. والسينما لا يجب كما لم يفترح دائما وابدا ميتز تحجيمها إلى مجال تقي(حرفي) يموضع (حسيًا) حلم مشاهديها.

ولا تعد كل من صورة الشاشة المعروضة والقطع مجرد تماثل للتكثيف والإزاحة في الحلم بل هما يجعلان العلاقة بين الماضي والحاض{، والهنا والهناك، الحضور والغياب معضلة متواصلة لكل خبرة. تلك التي لا تحل أبدا.

لهذا فإن السينما الحديثة توجد في منطقة ما بين المساحات الخاصة النظرية والطبوغرافية لكل من بازان وميتز .



فمجال قوة هذه السينما الحديثة تتأرجح ما بين آنية الصورة وأداء موحد لصور متفرقة التي هى " ليست هنا" التي لا يستطيع المجال الإدراكي (الحسي) حصرها وفي هذا السياق فإن سارتر الذي لم يكن الأكثر بصرية من الفلاسفة الآخرين يمدنا ويا للمفارقة بأنطولوجيا للصورة في السينما الحديثة.

نستطيع في تجربة الحياة اليومية أن نتخيل أمورًا لا نراها ولا نسمعها ولا نشمها أو نلمسها .فنحن نتخيل أمورا متخيلة وأمورا حقيقية في غيابها بمعنى أمور حقيقية يستدعيها الخيال غير أنه يعالجها معا بشكل غير واقعي فالأمر الغائب قريب وبعيد ما، غائب عن المكان أو الزمان أو عن كليهما.

برغم هذا الوهن للجد الواضح فإن التغير من الواقعي إلى المتخيل ما زال ملموسا، شكل من الفهم مماثل للكرب الكيركجاردي في فهم العدم.

سارتر في إعادة صياغته الدائرية للتشاؤم الكيركجاردي ذهب إلى مدى أبعد من مبدأ المتعة الحسية. فيما يمكن تخيله كشيء مرغوب فيه هو كل ما هو أكثر إيلامًا حتى لا يوجد هناك، وغالبا ما يظل مرغوبا لانه لا يوجد هناك.

بشكل عام يمثل القفز الخيالي للوعي الذي يحاول تقديم خبرة جزئية أكثر تعقيدا بتعبيرات سارترية مواجهة مع العقم، ارتباطا بالعدم الذي يفرق الواقعي عن المتخيل، وعند سارتر فإن الصورة هى موضوع لا واقعي والتي حين تهمل الواقعي يكون الفعل الخيالي في ذات الوقت مؤسسا ، مفرقا يكون الفعل ماحقا. إنه يمحق الحاضر كمكان وزمان وذلك من أجل تأسيس وجوده اخاص للعقل.

جون آور

0 comments :

Post a Comment