قليلٌ من الفن لا يؤذي أحد، روي جييرا وبورخيس وشوارع ريو دي جانيرو اللا مُبالية

Tuesday 12 January 2016

قليلٌ من الفن لا يؤذي أحد، روي جييرا وبورخيس وشوارع ريو دي جانيرو اللا مُبالية


قليلٌ من الفن لا يؤذي أحد، روي جييرا وبورخيس وشوارع ريو دي جانيرو اللا مُبالية


ترك روي جييرا دراسته في البرازيل وسافر لباريس، وجد الموجة الجديدة لكنه قرر أن يخلق موجته الخاصة في فيلم مُعدومو الضمير في صيف 1962، هو فيلم يحكي قصة ابتزاز، أي موضوع مُتكرر ولا يخلق فضاءات جديدة على مستوى البناء الدرامي، لكن يُمكن أن يختار جييرا فضاءًا آخر عبر الكاميرا، أن يعطيها الحرية لفترات طويلة لتُجسد فكرة الإذلال التي تتعرض لها الضحية.

تم تسمية أعمال جييرا التي تلت وأعمال مخرجين آخرين فيما بعد بأنها السينما نوفو اللاتينية، الكاميرا تتحرك بكل هدوء وحرية، الأوت أوف فوكس "الكاميرا التي لا تُركز على مادة أو موضوع بعينه" هذا التكنيك
 الذي احتفظ به حتى أفلامه المتأخرة، لم يتغير الأمر سواء بأفلامة الأبيض والأسود أو الملونة، ولكن هذا التنقل السلس ما بين المشاهد كان سمة أُخذت عن الموجة الفرنسية.



يبدو أن شخوص أفلام جييرا تشعر دائمًا بأنها في مأزق، بلا حيلة فالتصرفات الأساسية والمحورية في أي فيلم تبدو مباغتة ومستهترة، كأبطال فيلمه الأول أوس كافاجيستس، لويس نوفا مهندس الصوت في هذا العمل لصنع عملية التناسق الغائبة عن الصورة وتعويضها بلغة أخرى، هى لغة جديدة وعصرية تمامًا.

تبدو الشكوى غائبة عن النص الذي كتبه الذي كتبه جييرا بنفسه، فالشكوى أساسها حركة الجسد، العين، القدم، اليد وهو أمر آخر يجعل السيمولوجيا أو اللغة التي تظهر في التكوين البصري مضطربة، جييرا لا يبحث عن حلول بصرية وهنا يختلف تمامًا عن الميثاق والنسق الذي كان موجودًا في إيطاليا وفرنسا بهذا الوقت، فاتحًا الباب لمدارس أخرى تثور على الشائع في هذا العصر وعلى النظريات السينمائية.



استورفو من أعماله المتأخرة


أعود لفيلم معدومو الضمير Os cafajestes' خاصة والذي سبب جدلًا بسبب مشهد الإذلال الذي تعرضت له الضحية والتي مثلتها نورما بيجيل، بغض النظر عن وقف الفيلم من دور العرض وعدم نجاحه التجاري فإنه أحدث قلقًا، فكرة التجريب وخلق جماليات جديدة على مستوى التقنية المصورة، إحداث أيضًا صورة تستنكر أوضاعًا اجتماعية تهدد السلطة في البرازيل، مع ذلك فرض الفيلم نفسه في مهرجان برلين السينمائي، ولم يقابل باحتفال كبير ولكن تم وصفه من قبل بعض النقاد أنه يميل لسينما أكثر واقعية شكلًا ومضمونًا بدلًا من الأعمال الشبيهة بسينما هوليوود أو الحكايات الكوميدية الشعبية.


منظر التعري لنورما بينجيل كان رمزية من المخرج الذي حاول أن يُخرج الصوت الحقيقي وهنا مرة أخرى كان تعاونه المدهش مع لويس نوفا في إزكاء فكرة "صوت الشارع"، كان أبطال الفيلم أربعة، اثنين من المبتزين وبنتين من الطبقة الوسطى العليا، ولكن السرد كان أشمل من النص، السرد أي استخدام جميع عناصر اللغة السينمائية، الصورة وحركة الكاميرا، الضوضاء والموسيقى.
عدم النجاح الجماهيري والسخط لأسباب "يُقال عليها أخلاقية" صرفت النظر عن ما حققه هذا العمل، ابتكار لغة حديثة وسرد غير
تقليدي، فتلك الكاميرا التي تتأرجح "من قبل مدير التصوير توني راباتوني" وتلك المشاهد القاسية
والتي تسبب الدوار نوعًا ما كان نقطة الانطلاق لتلك السينما الثورية اللاتينية، السينما نوفو.

في أعمال رويجييرا المتأخرة رأيا أنه تخلى عن الطابع الوثائقي الذي يتعلق بمشاهد الشارع، تخلى عن الضبابية والتحرك السريع
 مابين المارة في الشوارع، ربما أيضًا ترك اتجاهه السياسي الثوري، ذلك الذي يتعلق مثلًا بفتاة تقبل العمل كعاهرة مقابل أن تجد مكانًا للنوم، تلك الصور المُجردة والرمزية تمامًا ولذلك قُدر لهذا الاتجاه أن يموت أو يخفت لعقود طويلة، تلك الاستعارة التي قام بها جاندر قبل أن يقم بجريمته حينما سأل ليديا إذا كانت قد التقطت لنفسها صورة وهى عارية عندما كانت طفلة، استعارة لفكرة بورخيس عن الاستثارة الجنسية عن طريق توحيد التجربة الانسانية، ما بين الزمان والمكان.




"القليل من الفن لا يؤذي أحدًا"، ربما تلك الجملة التي نطق بها فافا لزميله جاندر قبل أن يعطيه بعضًا من الحبوب لكي يصبح أكثر شجاعة لتنفيذ عملية الابتزاز بشأن "ليديا"، وعمها المليونير، نعم إنه الفن الخاص بهم، ولكن ربما كانت أيضًا رسالة خفية من جييرا، والآن فإن ليديا أمام أمرين، الفضيحة أو أن تغتصب، أو ربما ممارسة الجنس بمحض إرادتها، حينها يُسمع من راديو السيارة أن الرئيس الأمريكي جون كينيدي.

بصدد إعطاء توجيهاته العسكرية، وخطاب آخر من راؤول كاسترو عن الإمبريالية، والدراما التي تدور بين الأربع شخصيات، تافهة ومبتذلة وضئيلة للغاية.




ما بين ضآلة التجربة وهزالة الجسد، كانت هناك الكاميرا التي تجوب شوارع ديو جانيرو، بعض الناس يظهرون فضولهم للكاميرا، وليديا تهتز وتسقط، بعض الأضواء الخافتة والضبابية، وليديا تطلب الرحمة بكلتا ليديها، المأساة مبتذلة وبلا روح أمام فرمانات العسكريين، أصوات السيارة وصيحات المستهترون والكاميرا التي تدور بشكلٍ دائري ونظرة احتقار نورما بينجيل التي لا تجدي شيئًا، كان ذلك حقًا الميلاد الحقيقي لها، أو للسينما نوفو.


0 comments :

Post a Comment