كيشولفسكي ما بين الميتافزيقيا ورمزية الصورة -2

Monday, 10 September 2012

كيشولفسكي ما بين الميتافزيقيا ورمزية الصورة -2



تمتاز أفلام المفكر "المخرج" البولندي بالغموض والنهايات المفتوحة مما يجعل البعض يُشير إلى أن كيشولفسكي ينتمي إلى المدرسة الوجودية القديمة،

لكن الأمر ببساطة هو أنه يجعل الامور تحدث و لا أحد يعرف لماذا تحدث، على الناس أن يجيبوا.في ملاحظاته التي كتبها عن الأزرق

أكد كرزيستوف أنه عندما يتحدث عن موضوع الحرية فإنه لا يشعر بأنه سياسي: " نحن نتحدث هنا عن الحرية الفردية، الحرية العميقة..نتكلم عن حرية الحياة".و غير القابل للمناقشة أن كيشولفسكي يذهب إلى أبعد مدى في "الوصايا العشر" التي وضع فيها استفسارات أخلاقية، بأسلوب منفصل يجعلنا نتقرب من كل شخصية ولكن في نهاية المطاف هو يتجاهل تحديد مصيرهم، ويهرب إلى المجهول.

.بل أنه في الحياة المزدوجة لفيرونيكا وفيلمه الأزرق يذهب إلى أبعد من ذلك، إنه يجسد الجمال الساذج لإيرين جاكوب وجولييت بينوتس بشكل يجعل من أبطاله مبهمين للغاية.ولكن في بعض الأحيان قام بالتدخل في أعماله بشكل خا

ص حدث ذلك في "فيلم قصير عن القتل" وهو أحد حلقات سلسلة الوصايا العشر، حيث يقدم في مشهد النهاية حجة مقامة ضد عقوبة الإعدام عبر مشهد بلاغي.وكمراقب أخلاقي يترك كيشولفسكي الأمور مفتوحة: " أعتقد أن البشر جيدين، لكن ما يحدث أنهم يجدون أنفسهم في أزمات رهيبة، هذا ما عرضته على الرغم من أن البشر يريدون إنشاء حالتهم الخاصة، في فيلم قصير عن القتل نجد أن الشاب يقتل سائق التاكسي دون سبب واضح، إنه في الأساس كان ليصبح انسانا لو لم تدهس أخته من قبل جرار، ربما كانت أمور حياته مختلفة..من المهم أن نصل لجذور الأشياء، إلى اللحظة التي تحدث فيها الأشياء في الواقع منذ البداية".

يتضح هذا المنهج في بداية فيلمه "أزرق" حيث يبدأ بحادث سيارة، يربنا به المخرج ولكن من خلال يقوم كما ينقط النفط، إنه يشرح لنا أنه يمكن أن تكون هذه فرصة لكي نسأل، لماذا هذه الأشياء تحدث.يقول كرزيستوف: " كل يوم يموت آلالاف الناس في حوادث السيارات، ربما وهم نائمين، ربما ينزلق أحدهم..لكني لا أحقق هنا في هذه الحوادث..أنا أقول لكم، هناك حادث، لقد توفى رجل وابنته..وبعد ذلك نبدأ في التفكير فيما سيحدث لزوجته.هذه المرأة، هى فقط من بقت منهم"

.يبدو لنا للوهلة الاولى أن كيشولفسكي يستدعي صور ميتافزيقية ولا يجبرنا أن نفر وندير رأسنا عنها، لكن على الجانب الآخر..عندما يكون كل شيء مستقر..يستثمر الصورة نفسها لكي يجعلنا نشرحها..مثلًا في الحياة المزدوجة نرى صورًا لا يمكن ترجمتها بسهولة إلى كلمات.


عندما تندلع ابتسامة مشرقة مع تساقط المطر على وجه الفاتنة إيرين جاكوب.أو عندما تضع وجنتها على الزجاج السميك في حجرتها لتفكر وتتأمل في أوقات الفراغ، وجهها مضيء!.عندما تقوم الصورة بهذه المفاهيم الغير مفسرة، علينا أن نعرف أنه يميل تمامًا إلى تفسير شخصياته بأسلوب رمزي صارخ، تقطرات الشمع وكأنها دموع على وجه البنت العذراء، أو وهى تناضل لأجل ركوب الحافلة. الزخرفة الموجودة عند سائق التاكسي لوجه الشيطان كدلالة على العذاب


، ولكن كيشولفسكي يقول لا: " لا، أنا لا أقدم أي استعارات أو اسقاطات، بالنسبة لي فإن زجاجة من الحليب هى زجاجة من الحليب، يتجلى وجه جولييت بينوتش معكوسا في الملعقة. الملعقة هى من قلبت الصورة رأسًا على عقب.لست أنا".هذا الإنكار للمعنى يبدو مخادعا منه، في فيلم فيرونيكا على سبيل المثال تعاون مع شركة انتاج فرنسية لقصة عن فتاة تموت في بولندا، بينما قرينتها ما زالت حية وتعيش في فرنسا..هل هذا يعني بوضوح أنها وداعية رمزية لبولندا،

يرد كيشولفسكي: " لم يكن في نيتي أن أضع رمزًا لأي شيء، لقد ماتت فتاة في بولنا. هذا كل شيء".وعن سبب عمله في فرنسا، بسبب مسألة التمويل والانتاج. في ثلاثيته "أحمر، أبيض،أزرق" مثلا طرح بعض القيم العزيزة والتي تؤثر القلب: " هذه المفاهيم تلمس الجميع وليس الفرنسيين فقط، إذا سألت الجنود لماذا تقاتلون سيقول جميع الجنود في كل مكان بالعالم، إننا نقاتل لأجل الحرية والمساوة والإخاء. إذا سألت البوسنيين أو الصرب سيوقولون نفس الشيء. لقد جعلت المفاهيم فقط تنقلب إلى أفلام".

وعن التداخلات الفلسفية في عمله قول: " من المستحيل أن تتحقق من وجهة نظر كل فرد على المستوى السياسي، وبصرف النظر عن المساواة. بطبيعة الحال يمكنك أن تقول.. أريد أن أكون حرًا. لكن كيف لك أن تحرر نفسك من مشاعرك، ذكرياتك الخاصة، رغباتك الخاصة بك؟ ربما يمكننا أن لا نوجد دونها.. هذا يعني تلقائيًا أننا لسنا أحرار، نحن أسرى عواطفنا".

عند عرض الثلاثية، لم يحقق فيلم أزرق نجاحا أو انطباعات إيجابية نحوه، الجمهور غير راضٍ مما يجعل هناك شكوكا في الجزئين الآخرين، أراد الصحفي 
أن يوجه كيشولفسكي نصيحة للجمهور فقال: " لا لا، على الإطلاق..كل ما أريد قوله. لا تشتروا تذاكر أكثر من ذلك".

ت:حسين ممدوح
 http://karasatilcinema.blogspot.com/
http://www.facebook.com/hussein.faust



1 comment :

  1. أود أن أعبر عن إعجابي بالجهد الذي تبذله في هذه المدونة خاصة في الترجمة وخاصة أن السبب الرئيسي لها هو حبك الواضح للسينما..شكرًا جزيلًا ( :

    ReplyDelete