September 2012

Tuesday, 25 September 2012

بيرجمان الطفل، بيرجمان الكاتب، كاره الكلمات


بيرجمان الطفل، بيرجمان الكاتب، كاره الكلمات



مقابلة نُشرت عام 1971 أجراها معه بول رايلي..عندما تقوم بصناعة فيلم، هل تصنع الفيلم مقترنًا بالسويد؟

نعم، لغتي هى السويدية وجمهوري هم الشعب السويدي ولكن لا أعتقد أن الأمر مختلف لهذه الدرجة، عندما أصنع فيلمًا فأنا لا أفكر بالجمهور ولكني أهدف توضيح شيء لشخصٍ ما، إنها محادثة بيني وبين الجمهور ونوع من الاتصال مع الأشخاص الآخرين وطريقتي الخاصة في ذلك هى صناعة الأفلام، بكل بساطة هذا هو الأمر.

فيدبيرج قال مؤخرًا أنه أنك لا تتعامل مع المشاكل التي لها صلة بالمجتمع السويدي، سألته ما يعني ذلك فقال أنه عندما صنع نهاية فيلم الغراب كان يعالج مشكلة اجتماعية بالأساس وانتقدك لعدم محاولة صنع ذلك؟

أنا معجب به للغاية وأعتقد أنه شخص موهوب وإذا كان يصنع الأفلام التي يريد صنعها فهو أمر لا يهمني، أنا أفكر في دوري ، دوري الخاص الصغير جدا وطريقتي في التعبير عن نفسي ليس لها صلة بالنقد الاجتماعي ولكن بالطبع ما أفعله هو أن أعبر عن الزمن الذي أعيش به، أنا أعبر عن سويد اليوم ولكن ليس بطريقة محدودة ليس من خلال بعد واحد فقط وأعتقد أن كل فنان، أعتقد أن بيكاسو مثلا عندما رسم لوحاته كان يعرب عن شيء يخص زمنه هو.لا أفهم هذه الطريقة السخيفة التي تخبر الفنانين ما يتعين عليهم القيام به، بطبيعة الحال إذا لم نناقش الفنان فمن سيناقشة إذا؟ ولكن أعتقد أن هذا أمر غبي للغاية لنقول لهم افعلوا ذلك أو نقي عليهم اللوم عندما لا يفعلوه، إنه يذكرني بحالة روسية، هل تعرف ماذا قالوا لشوستاكوفيتش عن سيمفونيته الخامسة أو شيء من ذلك" يرجى من السيد شوستاكوفيتش أن يعيد كتابة السيمفونية الخامسة، إنها ليست اشتراكية"، من حقك أن تنتقد كل شيء ولكن ليس بطريقة أن تختار الطريقة التي يعمل عليها الفنان، إذا كان إنتاجه أو نهجه ليس حيًا يمكنك انتقاده ولكن إذا كان فيه بعض الحياة إذا كان الطفل يعيش في خياله، أعتقد أنه من التعدي أن تنتقده لأنه طفله الخاص في خياله لا يوافق الطفل الذي لا تتوقعه، إنه طفل، إنه شيء حيء

هل تشعر بأنه هناك تقليد بيرجماني الآن في السويد، فهو مصطلح أصبح يستخدم كثيرا، فعلى سبيل المثال عندما تكلم النقاد عن فيلم ماي زيترلينج قالوا إنه بيرجمانسكي بعض الشيء، هل تشعر بهذا في السويد؟

لا، ليس بهذه الصورة المطلقة، عندما بدأت صناعة أفلامي في عمر 22 أو 23 عاما تأثرت كثيرا بالفرنسيين وبأفلام كارنيه، أعجبت بصديق وهو ألف سيوبرج الذي كان يخلق مشاهد رائعة وأعجبت به وعملت مساعدًا له، وحاولت أن أصنع أشياء مشابهة له، وكل الشبان السويدين تأثروا بجودار وماليه وأنطونيوني وحاولوا صناعة أفلام مثيلة لأفلامهم، ومن ثم أنت تجد طريقتك الخاصة في صناعة الفيلم، في البداية لم يكن لك أسلوب فلا أحد يملك أسلوبًا خاصًا في البداية لأن كل شيء في الفن ينمو ويكبر شيئًا فشيئًا، في الفن دومًا هناك نوعٌ من التقليد وإذا كنّا نعتقد أننا يمكننا الافتكاك من ذلك فسنكون سخيفين، أنا مؤمن بأنه لا يوجد شيء في الفن له جذوره الخاصة، إنه يملك جذورا من شيء آخر لا يخصه

.هل كنت سابقا فضوليا حول الكيفية التي يصنع بها المخرجين الآخرين أفلامهم، على سبيل المثال هل فكرت من قبل وتساءلت عن الطريقة التي يستخدمها أنتونيوني في صناعة لغته داخل الفيلم وأن تقترب وتتفهم ما يقول

؟نعم، على الدوام كنت مهتمًا بذلك بشكل رهيب وأحب دومًا أن أعرف، أنا معجب كثيرا بفيلليني وأحبه وأحب طريقته في صنع الأفلام وتعامله مع المواد التي لديه فهو رائع جدا في ذلك وسخي ودافيء للغاية، أرى أفلامه أربع أو خمس مرات لأرى كيف يصنع ذلك وأصبح كالطفل الذي يتلقى فقط، ولكني لن أصنع فيلما فيلينًا فأنا لدى طريقتي الخاصة وأسلوبي الذي هو بعيد عن أسلوبه هو، ولكن أعتقد أن لدينا طرق متشابهة غريبة في الاتصال بالجمهور.

قلت أنك تأثرت بالفرنسي جودار في فترة شبابك، كيف ترى أفلامه؟أ

حببت واحدًا فقط من أفلامه وهو "المرأة المتزوجة"وهو عمل حار ومتزن وفيه روح الدعابة، فيلم قوي وأنا معجب بجودار لأنه لديه طريقته الخاصة وهى بالنسبة لي غريبة جدا، لا أفهم أفلامه ولكني أحب فيه أنه يملك مخيلته الفردانية، وأعتقد أنه كذلك صحفي عبقري حيث يكتب مع أفلامه ما يريد أن يوصله وأعتقد أن هذا رائع وإن كنت لا أفهمه.

هناك دومًا ضغط عليك، خاصة عندما أصبحت ناجحًا، وعندما تضطر لصنع فيلم لا يأتي منك بل من شخص آخر، هل تشعر بهذا الضغط؟

هل تعرف ماذا قال جوته؟ أرجوك يا الله، اسمح لي أن أفضح نفسي في الوقت المناسب، هذا ما يعنيه أن تكون ناجحا إنه أكثر خطورة من أن تفشل، إذا كنت صغيرا في السن وحققت نجاحات فهو أمر خطير، أما اذا كنت متقدمًا في العمر ولديك نجاحات فهو أمر ضروري وجيد، في بعض الأحيان لأنك وقتها تعرف ما تستحق، وأقول لنفسي حينها" أيتها السماوات، أعطني على الدوام بعض الإخفاقات لأنظف نفسي بها" هل تعرف ما أعنيه بهذا؟بالنسبة للفنان فإنه من الخطر أن ينجح على الدوام بنفس الدرجة التي يكون فيها الخطر عندما تأتي عليك حوادث وكوارث وفضائح واخفاقات متكررة، من الجيد للفنان أن يشعر بالنجاح أحيانا وبالشك أحيان أخرى وعندما تشعر بالقدرة على حب الناس والأطفال وزوجتك وأي شيء آخر، عليك أن تعلم أنه في يوم ما عن كل هذه الأشياء التي تحبها لأنها ستكون بمثابة السجن لك، إنها تجربة بسيطة، عليك أن تقتنع بأنه ربما ستترك صناعة الأفلام يوما ما لأنه لم يعد لديك شيئًا لكي تقوله.

ربما يمكنك أن تتحدث لنا عن الطريقة التي تعد بها الفيلم؟

من الصعب جدا أن أتحدث عن طريقة إعدادي فقط للفيلم لأنني أريد أن أكون بعيدا عن ذلك، ربما يمكنك أن تناقشني في التفاصيل التقنية ،حتى فيما يخص ذلك فهو صعب لأنه بعد أن تكتب عليك أن تتحول من كاتب إلى مخرج وعندما تقوم بالإخراج، إذا نسيت ما كتبته أو إذا كنت تتذكر الكثير مما كتبته ستشعر بالخجل أو الخوف الشديد لذلك أعتقد أن على المخرج أن يبتعد عن العمل ما بين الإخراج والكتابة، وأن لا تفكر فيما كتبت بكثرة حول موضوع ما، فانا عندما أكتب النص يكون لدىّ نوع من الشعور والتخيل لكيفية ما سيكونه عند التصوير، أشعر بالتوترات وكل شيء وقبل أسبوع أو أسبوعين من بداية التصوير أعيد قراءة السيناريو وكثيرا ما أغير في اللقطات أو أضيف لها بعد جديد أو آخر، ربما لا أفهم بعدها لماذا كتبت ذلك فالأمر صعب ولذلك لا أفضل إعادة قراءة السيناريو.

عندما تقوم بتصوير المشهد، هل لديك نص معين يبرمج ويحدد كل حركة سيقوم بها الممثل، أم أنك تفضل أن يتطور هذا الأمر بفعل الموقف عندما تقوم بالتصوير؟

أنا أعد هذا على الدوام وأكره أن أقوم بالتصوير دون إعدادات مسبقة، من المستحيل بالنسبة لي ولكن إذا كنت قد أعددت وتعلمت الدرس جيدا فإنني يمكنني الذهاب بعيدا بكل أمان، وأن أكون على استعداد للقيام بمشهد آخر، ولكنّي إذا لم أقم بالإعداد من البداية لا أستطيع أن أذهب بعيدا عن النص.

عند تصوير مشهد هل تقوم باستخدام وزايا مختلفة ومواقف عديدة للكاميرا ، لأنه يمكنك أن ترغب في استخدامها فيما بعد؟

أبدا، أنا أكره ذلك ولا أحب أن تتاح للي خاصية الاختيار هذه، هذا أمر يجب اختياره وتحديده من قبل ، في الاستوديو، ومن ثم أنا لا أرغب في فكرة الزوايا المتعددة لأنها ليست لعبة.




هل تجد نفسك تعيد كتابة حوار ما عندما تبدأ بالفعل في التصوير؟

لا، بل ربما أقوم بحذف بعض الجمل الحوارية، فعندما تكتب كثيرا يكون هذا الأمر جيد فلديك الكثير من المواد التي يمكن أن تحذف بعضها، ولكن عندما يكون الممثلين موجودين فأنا أقيم اتصالا معهم حول هذا.

ولكنك قمت بتغيير كبير في فيلم بيرسونا عندما قررت تغيير مواقع التصوير، وكان هذا بسبب أنك غيرت رأيك حول السينايو أم أنك وجدت مكانا أفضل لتصور فيه؟

نعم، بيرسونا كان شيئُا غريبا جدا أنني كتبت السيناريو دون التفكير في أي شيء، كتبته في التو واللحظة وكان معقدا بالنسبة لي أن أفهم على وجه التحديد ما كتبت، واضطررت إلى إعادة تصوير بعض المشاهد مرتين أو ثلاث عندما كنا في موقع التصوير، فعلناها مرة أخرى ومن ثم رأيت أن كل شيء على ما يرام، كان ذلك معقدا ولكنه كان لطيف وساحر لأنه لم يكن هناك سوى اثنين من الممثلين ولم نتكلف الكثير، لم أشعر بوخز الضمير، كنت أفكر على الدوام بأنها ليست أموالي وأنا لا أنفق منها، كان هذا عندما كنت شابا وقد أخبروني بأنني كلفت شركة الانتاج الكثير من المال لذللك أعتقد أنه مازال هناك شعورا بالذنب داخلي.

هل يمكن وأنا متأكد إذا قررت عمل فيلم في الولايات المتحدة الأمريكية بميزانية أكبر من ذلك بكثير، هل لن تشعر وقتها بأنك مقيد نوعا ما؟

لا على الإطلاق أنا حر تماما وأحب أن تكون الميزانية محدودة ، تلك التي في السويد، وأعتقد لو كان الفيلم هنا يتكلف مليون كرونة (250 ألف دولار) وأننا نجحنا في إعادة هذه الأموال فسأصبح سعيدًا

.هل تشعر بأنك مهتم بهذه الأمور الاقتصادية وأنه من المهم لأفلامك أن تكسب المال في السويد؟

نعم ولما لا. بالطبع أنا مهتم ليس فقط بأن تكسب أفلامي المال ولكن أن تذهب الناس لرؤيتها، وفي بعض الأحيان تكون هناك وجهات نظر مختلفة، كان هناك شعور لدىّ بأن الجمهور لن يخرج من بيته في ظل هذه الثلوج ليأتي لصالة العرض ويشاهد أفلام مثل ضوء الشتاء أو بيرسونا أو الصمت، ولكن في أفلام أخرى سأشعر بخيبة أمل كبيرة وعدم رضا في حالة لم يراها الناس.

لماذا كلفت شخصًا آخر بكتابة سيناريو فيلميك ربيع العذراء وحافة الحياة؟

أعتقد أنني كنت كسولًا، أحببت الكاتب الذي كتبهما وشعرت بأن هناك نقطة تلاقي جيدة بيني وبينه، وكنت كسولًا.

قلت قبل ذلك أن الكتابة كانت فترة صعبة للغاية لك؟
مملة جدا. لأن الحلم ليس صعبا ولكن عندما تضعه في كلمات يكون ملل، وأنا لا أحب الكلمات وأراها غير مقنعة أو مرضية بالنسبة لي.

هذا يبدو غريبا أن نسمعه من شخص بدأ بالتعبير عن نفسه عبر الكتابة؟

إنه دائما نفس الشيء، إذا جلست بعد العشاء يمكنك الاستماع
لحفلة موسيقية مسجلة أو مشاهدة "صيف حار طويل" على التلفزيون، بطبيعة الحال ستختار أن تشاهد، بدلا من أن تقرأ كتاب تصوفي ستشاهد التلفزيون لأن كل شيء يؤثر في عينيك هو أكثر روعة من قراءة أو استخدام الكلمات

Thursday, 13 September 2012

تروفو و خطورة أن تبقى ناقدًا -2



تعرفون، نحن هنا في فرنسا مدينون كثيرا للسينما الأمريكية المبكرة التي لا يعرف عنها الأمريكيين أنفسهم شيئا أو على الإطلاق أو حتى يزدرون منها، وكان هناك مجموعة جددت السينما في أمريكا مثل سيدني لوميت، روبيرت موليجان، فرانك تاشين وآرثر بن. إنهم يشبهون قليلا مخرجين الموجة الجديدة في فرنسا.وإن كان هؤلاء الرجال في هذا الوقت المبكر قد استخدموا تقنيات بدائية لكن كانت أعمالهم فكرية تماما وفيها كل الصفات،

ولكن في هذا الوقت سخروا من هؤلاء السينمائيين في أمريكا لأنهم لا يعرفونهم جيدا ولأن أفلامهم لم تنجح على المستوى التجاري، والنجاح هو كل شيء في أمريكا، ومن الجيد أنني بعيد عن هذا

.لماذا نجحت الموجة الفرنسية على المستوى الفني؟

في بداية الموجة الجديدة قالوا أن أفلام هؤلاء المخرجين الشباب لا تختلف كثيرا عما كان يصنع من قبل، ونا لا أعرف إذا ما كانت هناك خطة وراء الموجة الجديدة ولكن فيما يتعلق بي فأنا لم خطط لإحداث ثورة في السينما أو التعبير عن نفسي بشكل مختلف عن من سبقوني، نظرت للسينما أنه كانت على ما يرام ولكنها كانت فقط تفتقر للصدق، كنا نفعل ما كان يفعله السابقون ولكن بشكل أفضل.

هناك مقولة شهيرة لأندريه مالرو يقول فيها: التحفة ليست أفضل من القمامة" ولذلك أرى أن الأفلام الجيدة كانت مجرد أفلام سيئة صنعت بشكل أفضل، بعبارة أخرى لا أرى فرقا كبيرا بين فيلم "وداعا مرة أخرى" لأناتول ليتفاك وبين فيلمي" بشرة ناعمة"، انه نفس الشيء.نفس الفيلم إلا أنه في بشرة ناعمه أخذ كل ممثل الدور الذي يناسبه، فعلنا شيئا حقيقيا أو على الأقل حاولنا، لأنه في بشرة ناعمة ترى أنه لم يكن الفيلم المناسب لممثلين مثل أنجريد بيرجمان أو أنتوني بيركنز أو مونتان إيف.قام على كذبة منذ البداية.الفكرة ليس في خلق سيما جديدة ومختلفة ولكن لتقويم السينما الحالية وشجعلها حقيقية أكثر، هذا ما كان يدور في خلدي عندما بدأت في صناعة الأفلام ،

كذلك لا فرق بين فيلم المتمردون لجان ديلانوي وبين "400 ضربة" لي، هو نفسه أو قريب جدا منه.لكني أردت فقط أن أضع لغما في القصة لأنني لا أحب التصنع.

نعرف أنك كنت ناقدا سينمائيا قبل أن تصبح مخرج، ما الفيلم الأول الذي كتبت عنه؟

فيلم تشارلي تشابلن"الازمنة الحديثة" ورأيته في نادي السينما ثم بعد ذلك استولت عليه الشرطة لأنها كانت نسخة مسروقة، ثم بعدذلك وبفضل أندريه بازان كتبت في مجلة كراسات السينما، الحاجة للكتابة عن الأفلام مهمة لأنه لا يكفي أن تشاهد آلالاف الأفلام،

النقد يساعدك في فهمها بشكل أفضل.لان تمارس الذكاء الخاص بك وأن ترى نقاط الضعف والقوة في الأفلام..إنها ممارسة جيدة ولكن لا يجب أن تستمر في ذلك لفترة طويلة..لأن كتاباتي كانت سلبية أكثر ووجدت أنني أجسد اللعنات أكثر من المدح

، لقد كنت أفضل في الهجوم وهو ما يؤسفني..أنا الآن أقل دوجماطوقية بكثير وأفضل الملاحظات والفوارق البسيطة بين النقد وصناعة الفيلم

.في فترة عملك بالنقد لمدة 4 سنوات فكرت في صناعة الفيلم، أليس كذلك؟

نعم بالتأكيد. في هذه الفترة كنت أبحث عن ذلك وبدأت في صناعة أفلام بكاميرا 16 ملي والتي كانت لا تستحق العرض، كنت أقع في نفس العيوب كل مرة وهى مجرد أفلام هواة، كانت طنانة وبلا قصة حتى، هذا ما يمكن تسميته بذروة الغرورو لمن يبدأ في صناعة أي فيلم في الباية.ربما تعلمت شيئا من هذا العمل، مثلا كيفية أن تشير لشيء بدلا من عرضه، ولكنها لم تكن شيء إنها كمن يفتح الباب ويغلقه فقط،  يا لها من مضيعة.

ولكن فيلمي الحقيقي الأول كان في عام 1957 وهو " ليس ميستونس" أو صناع الأذى وكان ميزته أنه يحكي عن قصة وهو أمر لم يكن موجودا في الأفلام القصيرة في تلك الأيام، كما أنه أعطاني فرصة البدء في التفاعل مع الممثلين، ولكنه الحوار كان مستفيضا مما جعل الأمور أبسط بكثير، وكنت محظوظا لأنني حصلت عنه جائزة في مهرجان في بروكسل، كان مبني على قصة موريس بونس، ولم أستخدم النص الأصلي لأنني رأيته في البداية على شكل سلسلة من الرسومات "الاسكتشات" ولقد كان من السهل وقتها إيجاد المال لصنع 3 أو 4 أفلام قصيرة مختلفة، أسهل من هذه الأيام..

وكنت تجد كذلك الدعم المالي لصناعة فيلم روائي طويل، خططت لذلك مسعتينا بخمس أو 6 قصص قديمة كتبتها وأنا طفل، ولكن بدأت بصناع الأذى لأنه كان أسهل لتحويله كفيلم.لكنني بعد انتهائي منه أحسست بعدم الرضا، لأن الفيلم كان نوعا ما أدبيا، سأشرح هذا" إنه قصة عن خمسة أطفال يتجسسون على عاشقين، وقد لاحظت في أن توجيهي للأطفال جعلتهم يبدو مفتعلين لإبراز هذه الغيرة، وهذا أزجعني وقلت لنفسي أنني لو صنعت فيلما مع الأطفال مرة أخرى علىّ أن أكون أكثر صدقا في توصير حياتهم وأن أستخدم ذلك الخيال بأقل قدر ممكن.

هل كنت محرجا عند تصوير فيلمك الأول، وأنت كنت ناقدًا في البداية؟لا أعتقد ذلك، في الواقع كنت محرجا نوعا ما ، ولكن ليس بسبب كوني ناقدا لكن لأنني رأيت حوالي 3 آلاف فيلم، وأعتقد أنك تفكر عند التصوير فيهم جميعا وتقول" آه، لقد حدث مثل هذا في فيلم كذا وكذا"، أو " بالمقارنة مع فيلم إكس فإن هذا ليس جيدا"،

كما أنني كنت أضع السيناريو دوما في رأسي وهذا كان يعقد المسألة، كان هذا يحدث كثيرا وفكرت في أغلب الأحيان أن ألغي صناعة الفيلم بسببه.

عندما كنت أقوم بتصوير صناع الأذى كان فيلم 400 ضربة في رأسي، كان موجودًا كفيلم قصير يُدعى أنتوني يذهب بعيدا، ولغيت فكرة عمله كفيلم قصير لأني كنت غير راضي عن فيلمي الأولى، أو لاكون أكثر شجاعة في الحديث أصبحت أرفض عمل فيلم من عدة سكيتشات

ولذلك قررت أن أترك "صناع الأذى" كفيلم قصير وأن آخذ فرصتي في صناعة فيلمي الروائي الاول والطويل.وتحكي قصته عن طفل ولكي يهرب من المدرسة اختلق عذرا بأن والدته قد ماتت وتم اكتشاف الكذبة لذلك قرر أن لا يذهب للمنزل وأن يبيت خارجه. أردت أن أطور القصة بمساعدة من مارسيل موسيي والذي كان في هذا الوقت كاتب تلفزيوني وكان يظهر في برنامج اسمه" ماذا لو كنت أنت"، كان واقعي وناجح للغاية ومتخصص في المشاكل الأسرية والاجتماعية، واضفنا سويا بداية ونهاية قصة أنتوني، عن مرحلة طفولته ومراهقته المحرجة.

سبب هذا الفيلم ردة فعل قوية عند الرقابة؟نعم لأن هناك حالات في الفيلم تتطلب نضجا: طفل يرى أمه مع رجل آجر. الهروب من مدرسته وأشياء مثل هذه ولذلك قامت الرقابة في فرنسا بتصنيف الفيلم على أنه لمن بعمر 16 عام وما يزيد. لكن بعد تكريم الفيلم ليس فقط الجائزة الكاثوليكية ولكن كذلك جائزة أفضل فيلم في مهرجان كان تم حذف هذا التصنيف، هل شعرت الرقابة وقتها بأنها مثل البلهاء؟نعم، أعتقد ذلك.

يتبع

ت:حسين ممدوح
 http://karasatilcinema.blogspot.com/
http://www.facebook.com/hussein.faust


Tuesday, 11 September 2012

تروفو: روسيليني هو من أحيا الطفل لأول مرة - آخر مقابلة لفرانسوا



نعم بالطبع، خلال الحرب شاهدت العديد من الأفلام التي جعلتني أقع في حب السينما، كنت أهرب من المدرسة بشكل منتظم لمشاهدة الأفلام، وحتى في الصباح كانت هاك بعض المسارح الباريسية الصغيرة التي تفتح أبوابها مبكرًا.

في البداية لم أكن أعرف ماذا أريد، لم أكن متيقنًا مما أريد أن أكونه هل ناقد أم مخرج ولكني كنت أعرف أنه سيكون شيئًا من هذا القبيل...وفكرت في الكتابة كذلك، في الواقع عشت أوقاتًا تخيلت فيها نفسي روائيًا

، ثم قررت أن أكون ناقدًا ومن ثم بدأت أفكر تدريجيا في صناعة الأفلام..أعتقد أن رؤية كل تلك الأفلام خلال الحرب كانت نوعا من التدريب المهني.كما تعلمون فإن صناع الموجة الجديدة تعرضوا لكثير من النقد لافتقارهم للخبرة خاصة، جاء هذا النقد ضد أناس مثلي لم يفعلوا أي شيء أكثر من مجرد الكتابة في "كراسات السينما" ورؤية الآلاف من الأفلام.لقد رأيت أفلاما مثل قواعد اللعبة لجان رينوار، وفيلم المدرب الذهبي لما يقرب من 14 أو 15 مرة،

هناك طريقة لمشاهدة الأفلام يمكنك أن تتعلم بها المزيد من الأمور لكي تعمل كمساعد مخرج. دون أن تعد هذه الأمور بشكل أكاديمي..في الأساس، مساعد المخرج هو الرجل الذي تكون لديه الرغبة في مشاهدة كيفية صنع الفيلم" أن يرى الأشياء التي تحدث أمام الكاميرا، وبعبارة أخرى إنه يريد أن يتقن الأمور التي تكون بعيدة عن المشاهد في قاعة السيما..في المسرح أو السينما عندما تشاهد الفيلم للمرة العاشرة أو أكثر وتمر أمامك عناصر الحوار والموسبقى تعرف عن ظهر قلب ما يحدث، عليك أن تبدأ بالنظر كيف قام المخرج بهذا.ستتعلم أكثر بكثير من مساعد المخرج كذلك.

الأفلام التي استدعت انتباهك وأنت صبي يرتاد السينمات؟

كانت في البداية الفرنسية مثل "الغراب" لهنري جورج كلوزت" وفيلم مارسيل كارنيه" مبعوثون الشيطان"، هذه الأفلام التي أحسست أنني علىّ مشاهدتها أكثر من مرة وبسرعة، كنت خبيثًا كذلك لأنني كنت أرى الأفلام في سرية، وعندما يدعوني أحد أقاربي للذهاب للسينما أوافق، وأذهب لمشاهدة نفس الفيلم دون أن أقول لهم..لدرجة أنه بعد 3 سنوات من الحرب شاهدت فيلم الغراب ربما تسعة أو عشر مرات، وبعد أن أنهيت عملي في كراسات السينما تحولت عن السينما الفرنسية، الاصدقاء في المجلة مثل جاك ريفيت يعتقد أنه من العبث أن أتمكن من قراءة حوار فيلم "ألغراب" ورؤية أطفال الجنة 14 مرة.

قلت أنك شاهدت فيلمين لرينوار ربما أكثر من 12 مرة ،
هل لك أن تذكر تأثير رينوار عليك؟

أعتقد أنه هو المخرج الوحيد المعصوم من الناحية العملية، لم يرتكب أي خطأ في فيلم شاهدته له ولا أعتقد أنه سبق له ذلك..لأنه في رأيي يعتمد على حلول الانسان البسيطة.بلا تظاهر أو محاولة خلق نوع جديد..وإذا عرفت أعماله ستجدون أنها شاملة.لأنه تناول كل أنواع الواضيع..عندما تواجهك مشكلة كمخرج شاب يمكن لك أن يخطر في بالك كيف كان لرينوار أن يتعامل مع الواضح،ستجد الحل.

روسيليني استهتر بالتقنيات فصنع فيلمًا عظيمًا..

روبيرتو روسيليني على سبيل المثال يختلف تماما. قوته كانت تكمن في تجاهله للجوانب الميكانيكية والتقينة في صناعة الفيلم، هى لا وجود لها عنده، إنه يقول أشياء ثمينة في ملاحظاته التي كتبها عن أفلامه مثل" الجيش الانجليزي يدخل أوليانس"، تقول: أوك، إنه سوف يحتاج الكثير من الإضافات في فيلمه..ولكن عندما ترى فيلم (جان دارك في كفة الميزان) تجد أن هناك فقط 10 جنود من الكرتون في مقدمة الصورة يشوشون على المجموعة الصغيرة من الجنود التي خلفهم..إن روسيليني يخلق الصفاء أو الاستهتار في صناعته للفيلم..او مثل الفيلم الذي قام بصناعته عن الهند، إنه ظاهرة ويخلق موضوعًا من مادة متواضعة..ليخلق عملًا رائعًا في النهاية.


فيلمي المفضل له هو "ألمانيا السنة صفر" ربما لأن لدىّ ضعف تجاه الأفلام التي تتحدث عن الطفولة والأطفال وموضوعهم. وربما لأن روسيليني أول من صور الأطفال بصدق. بشكل وثائقي نراه يركز ويتأمل في طبيعة الأطفال أكثر من الكبار حولهم.ليس مثل الآخرين الذين يعتبروهم شيء خلاب أو حيوانات..

الطفل في فيلم ألمانيا العام صفر نراه يظهر بشكل منضبط النفس وبسيط وهذه المرة الاولى التي يجسد فيها أحدا الطفل باعتباره مركز الثقل بينما الأشياء من حوله مجرد تافهة.

أضاف المخرج الفرنسي عن روسيليني مناقشًا سمته التي يشترك فيها مع رينوار: إنه يجعلك تشهد كيف تكون الرغبة في البقاء على قيد الحياة أكثر من الفيلم الخيالي.

يواصل تروفو: قال روسيليني كذلك ، عندما تكتب السيناريو لا ينبغي أن تكتبه مثل الخنازير، الصراع في أي فيلم يجب أن ينشأ من حقائق مجردة..شخص ما من مكان معين في وقت معين..يكون بينه صراع بين شخص آخر في مكان آخر ، ليس هناك حاجة لابتكار أي شيء..لقد تأثرت بالصناع مثل روسيليني ورينوا الذي تمكنوا من تحرير نفسهم عن أي معوقات في السينما فهم يولون القصة والشخصية والموضوع أهمية أكثر من 
أي شيء آخر.


ت:حسين ممدوح
 http://karasatilcinema.blogspot.com/
http://www.facebook.com/hussein.faust



Monday, 10 September 2012

كيشولفسكي ما بين الميتافزيقيا ورمزية الصورة -2



تمتاز أفلام المفكر "المخرج" البولندي بالغموض والنهايات المفتوحة مما يجعل البعض يُشير إلى أن كيشولفسكي ينتمي إلى المدرسة الوجودية القديمة،

لكن الأمر ببساطة هو أنه يجعل الامور تحدث و لا أحد يعرف لماذا تحدث، على الناس أن يجيبوا.في ملاحظاته التي كتبها عن الأزرق

أكد كرزيستوف أنه عندما يتحدث عن موضوع الحرية فإنه لا يشعر بأنه سياسي: " نحن نتحدث هنا عن الحرية الفردية، الحرية العميقة..نتكلم عن حرية الحياة".و غير القابل للمناقشة أن كيشولفسكي يذهب إلى أبعد مدى في "الوصايا العشر" التي وضع فيها استفسارات أخلاقية، بأسلوب منفصل يجعلنا نتقرب من كل شخصية ولكن في نهاية المطاف هو يتجاهل تحديد مصيرهم، ويهرب إلى المجهول.

.بل أنه في الحياة المزدوجة لفيرونيكا وفيلمه الأزرق يذهب إلى أبعد من ذلك، إنه يجسد الجمال الساذج لإيرين جاكوب وجولييت بينوتس بشكل يجعل من أبطاله مبهمين للغاية.ولكن في بعض الأحيان قام بالتدخل في أعماله بشكل خا

ص حدث ذلك في "فيلم قصير عن القتل" وهو أحد حلقات سلسلة الوصايا العشر، حيث يقدم في مشهد النهاية حجة مقامة ضد عقوبة الإعدام عبر مشهد بلاغي.وكمراقب أخلاقي يترك كيشولفسكي الأمور مفتوحة: " أعتقد أن البشر جيدين، لكن ما يحدث أنهم يجدون أنفسهم في أزمات رهيبة، هذا ما عرضته على الرغم من أن البشر يريدون إنشاء حالتهم الخاصة، في فيلم قصير عن القتل نجد أن الشاب يقتل سائق التاكسي دون سبب واضح، إنه في الأساس كان ليصبح انسانا لو لم تدهس أخته من قبل جرار، ربما كانت أمور حياته مختلفة..من المهم أن نصل لجذور الأشياء، إلى اللحظة التي تحدث فيها الأشياء في الواقع منذ البداية".

يتضح هذا المنهج في بداية فيلمه "أزرق" حيث يبدأ بحادث سيارة، يربنا به المخرج ولكن من خلال يقوم كما ينقط النفط، إنه يشرح لنا أنه يمكن أن تكون هذه فرصة لكي نسأل، لماذا هذه الأشياء تحدث.يقول كرزيستوف: " كل يوم يموت آلالاف الناس في حوادث السيارات، ربما وهم نائمين، ربما ينزلق أحدهم..لكني لا أحقق هنا في هذه الحوادث..أنا أقول لكم، هناك حادث، لقد توفى رجل وابنته..وبعد ذلك نبدأ في التفكير فيما سيحدث لزوجته.هذه المرأة، هى فقط من بقت منهم"

.يبدو لنا للوهلة الاولى أن كيشولفسكي يستدعي صور ميتافزيقية ولا يجبرنا أن نفر وندير رأسنا عنها، لكن على الجانب الآخر..عندما يكون كل شيء مستقر..يستثمر الصورة نفسها لكي يجعلنا نشرحها..مثلًا في الحياة المزدوجة نرى صورًا لا يمكن ترجمتها بسهولة إلى كلمات.


عندما تندلع ابتسامة مشرقة مع تساقط المطر على وجه الفاتنة إيرين جاكوب.أو عندما تضع وجنتها على الزجاج السميك في حجرتها لتفكر وتتأمل في أوقات الفراغ، وجهها مضيء!.عندما تقوم الصورة بهذه المفاهيم الغير مفسرة، علينا أن نعرف أنه يميل تمامًا إلى تفسير شخصياته بأسلوب رمزي صارخ، تقطرات الشمع وكأنها دموع على وجه البنت العذراء، أو وهى تناضل لأجل ركوب الحافلة. الزخرفة الموجودة عند سائق التاكسي لوجه الشيطان كدلالة على العذاب


، ولكن كيشولفسكي يقول لا: " لا، أنا لا أقدم أي استعارات أو اسقاطات، بالنسبة لي فإن زجاجة من الحليب هى زجاجة من الحليب، يتجلى وجه جولييت بينوتش معكوسا في الملعقة. الملعقة هى من قلبت الصورة رأسًا على عقب.لست أنا".هذا الإنكار للمعنى يبدو مخادعا منه، في فيلم فيرونيكا على سبيل المثال تعاون مع شركة انتاج فرنسية لقصة عن فتاة تموت في بولندا، بينما قرينتها ما زالت حية وتعيش في فرنسا..هل هذا يعني بوضوح أنها وداعية رمزية لبولندا،

يرد كيشولفسكي: " لم يكن في نيتي أن أضع رمزًا لأي شيء، لقد ماتت فتاة في بولنا. هذا كل شيء".وعن سبب عمله في فرنسا، بسبب مسألة التمويل والانتاج. في ثلاثيته "أحمر، أبيض،أزرق" مثلا طرح بعض القيم العزيزة والتي تؤثر القلب: " هذه المفاهيم تلمس الجميع وليس الفرنسيين فقط، إذا سألت الجنود لماذا تقاتلون سيقول جميع الجنود في كل مكان بالعالم، إننا نقاتل لأجل الحرية والمساوة والإخاء. إذا سألت البوسنيين أو الصرب سيوقولون نفس الشيء. لقد جعلت المفاهيم فقط تنقلب إلى أفلام".

وعن التداخلات الفلسفية في عمله قول: " من المستحيل أن تتحقق من وجهة نظر كل فرد على المستوى السياسي، وبصرف النظر عن المساواة. بطبيعة الحال يمكنك أن تقول.. أريد أن أكون حرًا. لكن كيف لك أن تحرر نفسك من مشاعرك، ذكرياتك الخاصة، رغباتك الخاصة بك؟ ربما يمكننا أن لا نوجد دونها.. هذا يعني تلقائيًا أننا لسنا أحرار، نحن أسرى عواطفنا".

عند عرض الثلاثية، لم يحقق فيلم أزرق نجاحا أو انطباعات إيجابية نحوه، الجمهور غير راضٍ مما يجعل هناك شكوكا في الجزئين الآخرين، أراد الصحفي 
أن يوجه كيشولفسكي نصيحة للجمهور فقال: " لا لا، على الإطلاق..كل ما أريد قوله. لا تشتروا تذاكر أكثر من ذلك".

ت:حسين ممدوح
 http://karasatilcinema.blogspot.com/
http://www.facebook.com/hussein.faust



Saturday, 8 September 2012

الخطورة الأخلاقية، الفخ والارتياب في أفلام كيشولفسكي - الجزء الـ 1



الحرية والمساواة والأخوة هى مواضيع ثلاثية كرزيستوف كيشولفسكي والتي أسماها بالأزرق والأبيض والأحمر، أول الأجزاء وهو أزرق وهو فيلم ذا طابع وقور إلى أقصى الدرجات.تم إدخال الفيلم على شاشة التلفزيون قبل بضع سنوات وعلق ليندساس أندرسون أن ما معظم ما يرتبط من أعمال بالسينما البولندية يتمتع بالجدية ولا أحد أفضل من كيشولفسكي في القيام بهذا،

بعض الناس يعتبرونه أفضل مخرج يعمل في أوروبا في هذا الوقت وبالتأكيد هو واحد من أكثر المخرجين جدية.جدية هذا المخرج وجاذبيتها تبقي الجمهور منصتًا ومتوجسا، والسيء أن يتم نقد المخرج على أساس أن فيلمه جدي تماما ويتجنب النكتة نظرا لخطورة المواضيع الأخلاقية التي يطرحها والقابلة للكثير من النقاش

، وهو ينتمي لجيل مخرجين شمال أوروبا مثل بيرجمان وتاركوفسكي. المخرجين الذين يتعاملون مع موضوعاتهم برؤية لا هوادة فيها، قام بصنع أفلام وثائقية في السبعينات والثمانينات تتعلق مباشرة بالواقع السياسي والحياة اليومية الصعبة في بولندا، ثم الفرصة العمياء، لا نهاية وأخيرا عمله أكثر إقلاقا في السينما العالمية " الوصايا العشر الأخلاقية -ديكالوج".



المعجبين بالوصايا العشر يحتاجون أن يكونوا جديين تماما لأنه من الصعب أن تركز على طبيعة العمل الدرامي فالسلسلة بصريا ضعيفة وهى 10 حلقات رمزية وبعيدة المنال مما يجعلها أكثر جاذبية ولكنها تبتعد عن الطبيعة القصصية والحكي الرنان،بينما نجد في الحياة المزدوجة لفيرونيكا إبهار بصري وبأسلوب منمق للغاية وهذا يرجع بفضل المصور سلافومير إيدزياك والذي قام بعمل مدهش، مع عمق غريب للقصة، إيدزياك قام بمعجزات فوتوغرافية مماثلة في فيلم الأزرق.

يتكلم كيشولفسكي في مقابلة تعد إلى أكتوبر 1993 مع جوناثان رومني حول أعماله وغايته من عدم وجود نتاج نهائي لأفلامه لكنه في نفس الوقت لا يميل إلى إبعاد هذا الأمر كلية: " من جهتي فالمطلوب مني هو العمل على صنع الفيلم، دورك أنت كمشاهد هو أن تعثر على شيء ما في الفيلم، أو ربما حتى لا تحصل. بالنسبة لي من المهم على الدوام أن أسمع تفسيرات المشاهدين، لأنني أراها تكون مختلفة تماما عن نواياي".



يستطرد كيشولفسكي: " وأنا لا أخفي نواياي بل أتكلم عنهم، لكنني لا أفسرها",

وتجد في حديثك معه أنك لا يمكنك اتهامه بأنه يختلق الموضوع ولكنه يميل للحد من الأسئلة التي تخضع لأساسيات المنطق البسيط وهو أمر يجعله ساحرا أكثر، يمكنك أن تشعر بانه يلتف على الأسئلة ويقوم بقلب المسألة مع تحدثه بالبولندية تلك اللغة الغريبة التي يكتنفها إيقاعات الموت، ربما تشعر أنه مفرط أو رافض أو ذاتي الصنعة.يقول كيشولفسكي في علاقته مع جمهور أفلامه أنه يدخل مفهوما له معنى واضح للغاية، ثم يطرح المعاكس له تماما

: " أيا كان دوري كصانع فيلم أو كاتب سيناريو أو محرر، فإنني أبغي دومًا أن أعرض الأمر من وجهة نظر المشاهد وما يتوقعه والطريقة التي يريد مني أن أكشف له من خلالها الفخ (الأخلاقي أو أيا كان) عندما يريد أن يتفاجيء، عندما يريد أن يضحك أو أن يبكي، يمكنك أن تصف عملي بأنني أقوم بلعبة مع المشاهد.. أن أعطيه ما يريده ولكن في نفس الوقت أريده أن ينزلق بغتة إلى شيء لا يكون قد توقعه"

.وهذا الشيء الخفي الذي يخبئه المخرج البولندي لمشاهديه ويترك لهم التخيل، ربما يكون نوعا من التعالي في الطرح: " الناس هم من يبحثون عن هذا، الأمر ليس بسببي أو بسبب الفيلم ولكنهم بحاجة إلى شيء من هذا القبيل لأن ليس لديهم كفاية فهم لديهم بالفعل أمورا لا يعرفون كيف يشرحونها، إحساس الاستيقاظ في الصباح، احساسهم نحو التاريخ، وفي بعض الأحيان عن الدين أو السياسة، إحساسهم بالمعاناة"

.يُكمل كرزيستوف: " الستالنيين مثلا اعتادوا على أن ينهضوا من نومهم لقتل خصومهم وسحب أظافرهم من اللحم، نحن كبشر نبحث دوما عن معنى للحياة على مر التاريخ هذا يحدث، وحتى الآن، وهناك الكثير منا يحاول أن يعرف طبيعة هذا الشعور ولمذا نحن هنا ولكن لم يمتلك أي أحد منّا هذه المعرفة أبدًا".

ت:حسين ممدوح
 http://karasatilcinema.blogspot.com/
http://www.facebook.com/hussein.faust


يتبع

Thursday, 6 September 2012

مقتطفات من مقابلة بازوليني مع النيويورك تايمز - الدين ومعاناة الطبقة الوسطى عند بازوليني




"ليس من المهم أن يفهم أحد فيلمي تيوريما"..يجيب بازوليني في صوتٍ خفيض، هو عبارة عن ظلمة واهية إلى حد ما، رجل وسيم مع خدين جافين وعلامات سوداء تحت عينيه، هنا أترك الأمر للمشاهد هل أنا أقصد بأن هذا الزائر هو الله أم الشيطان؟ لا يهم، إنه شخص غير مسيحي ولكن المهم أنه يعتبر مقدس وهو شيء خارق للعادة ، شيء من الما وراء.

هل أن أعضاء العائلة قام بتطوير بعض الشيء علاقاتهم ولقاءاتهم بهذا الزائر؟ إنني أعرض فقط أزمة يعيشها رجل ما، وهو بالتأكيد أفضل من الرجل الذي ليس لديه أي مشكلة مع ضميرة، ومع ذلك فريما يكون استنتاج القصة سلبيًا لأن الشخصيات تعيش هذه التجربة ولكنهم لا يملكون القدرة على فهمها أو حلها، وهذا الدرس الذي جاء به الفيلم.

البرجوازية فقدت المقدس عندها لذلك فهى لا تستطيع أن تحل مشكلتهم بطريقة دينية ولكن عند الخادمة فهو أمر مختلف، إنها من الفلاحين والفلاح يأتي من حقبة أخرى وهو عصر ما قبل الثورة الصناعية وهذا هو السبب في أنه الشخص الوحيد الذي يعتبر الزائر على أنه إله، لماذا تكون هى الوحيدة القادرة على عدم توبيخه عندما يتوجب عليه أن يرحل.

يستطرد بازوليني: عندما أقول الله، لا أقصد إله الكاثوليكية،  ربما يكون ينتمي إلى أي دين آخر، دين الفلاحين، في الواقع أن جميع الأديان هى ديانة للفلاحين وهذه هى النقطة التي تسبب الأزمة عند الدين اليوم، لقد جئنا من عالم الفلاحة إلى عالم الصناعة ولكن العالم لا يموت.

لذك فإن حضارة الفلاحين ما زالت تعيش في داخلنا بل وتدفن في داخلنا ، ودفنها يأتي بجانب الشعور المقدس وهذا ما حدث مع صاحب المصنع وعائلته في تيوريما.

لقد اتهمت بالفحش من قبل قضاة الدولة الإيطالية لأن مشاهد الحب في نهاية الفيلم جاءت كنوع من الصدمة؟ 

صانع الفيلم يجب أن يستخدم العري كما يحق للرسام كذلك أن يفعل..ثم يشير إلى بازوليني إلى نسخة من تصميم فيلم "الإنجيل بحسب سان ماتيو" الموجود على الطاولة..ثم يضيف، أما فيما يخص مشاهد الجنس، حسنا، لم تتح لي الفرصة لاستخدامها في هذا الفيلم، لقد كان أمرا مجازيا فقط..ومشاهد الجنس بين الزائر وأعضاء الأسرة ليست صريحة، بل أن الحب الذي يتم تجسيده في هذه المشاهد هو روحي تماما.

الأب والام بسبب أن قيمهم تشكلت من الطبقة الوسطى الصناعية لم يكونا قادرين على إجراء تجربة دينية حقيقية، فالأب خلع ملابسه مثل القديس فرنسيس وترك كل شيء مادي وعندما وصل إلى الصحراء ليعيش حياة التقشف اتضح له أنه ليس قادرًا على أن يعيش التجربة الصوفية، لقد كان رجلًا مصنوعا..أردت هنا أن أقول أنه من المهم أن تتفهم الطبقة المتوسطة أخطاءها الخاصة بها والتي تجعلها تعاني.

يضيف بازوليني: أنا أعاني من هذا الحنين الذي أتعلق به فيما يخص تدين الفلاح، وهذا السبب الذي جعلني أقف بجانب الخادمة في الفيلم، أنا لا أؤمن في الله الميتافزيقي ولكنني ديني لأن لدىّ هوية طبيعية بين الواقع والله، الواقع هو إلهي وهذا السبب الذي يجعلني في أفلامي لا أقترب من الطبيعة بينما أحاول أن أنسب الفضل دوما للواقع في أهمية القداسة بوجه عام".

وعن السبب الذي يدفع هذا المخرج صاحب الـ46 عاما للعمل مع أناس حقيقين بدل الممثلين المحترفين، والدته مثلا اشتركت في فيلم " الانجيل بحسب القديس متى" في دور مريم والدة المسيح، يقول بيير باولو: " كان أداءها رائع لانها عندما رأت المسيح يصلب شعرت بنفس الألم الذي شعرت به عندما قتل أخي في الحرب، أما بانسبة لقصة الممثلين فأنا أختار أي ممثل لأنه بشر وليس بسبب ما يمكنه القيام به ، تيرينس ستامب شعر بالإهانة لأنني لم أطلب منه أن يبرز قدراته التمثيلية بل لقد شعر بأنه قد سُرق، نعم وهذا ما حدث كذلك مع آنا مانياني في فيلم أمي روما، لقد شعرت بأنها تعرضت لسرقة ما".

ت:حسين ممدوح
 http://karasatilcinema.blogspot.com/
http://www.facebook.com/hussein.faust

Wednesday, 5 September 2012

الواقعي والمتخيل، ما بين سارتر وبازان وميتز





في مقاله المثير عن "المتخيل" قدم سارتر أحد التحديات الكبيرة أمام السينما الحديثة - وهو كيف يمكن الإمساك بذلك الأمر الغائب عن الإدراك الإنساني . لو أن الكاميرا كما نقترح هى بمعنى ما التماثلة مع العين كوسيلة للإدراك (الحسي) فيجب أيضا على مخرج الفيلم المبدع الإمساك بذلك الذي ليس هناك، ذلك الذي خارج الإطار، ذلك الذي يوجد وراء الأفق الإدراكي في أي لحظة محددة.

وهنا يجب أن نذهب إلى أبعد من تعاليم بازان والظاهراتية في تمثلاتها للحاضر، مجال الإدراك (الحسي) وخبرة الجشتالت وفي هذا السياق تعد اضطرابات المونتاج المقصودة قوى تحرير هائلة. في نفس الوقت فإن المونتاج هو معالجة -حرفية- وليس حلًا. 
يجعل التجاوز الجذري للحضور والغياب للوجود والعدم العلاقة بين الصور معضلة أكثر مرونة بالتأكيد مما يسمح به الانقطاع الحرفي المفاجيء للقطع. هناك دائما شيء حاضر في الوجود هو خارج الإطار الذي يمكن أن يكون عند سارتر غائبا عن الإدراك (الحس) لكنه حاضر في الخيال وهنا فإن إمكان المتخيل لم يكن أبدا أمرا حلميا تماما. والسينما لا يجب كما لم يفترح دائما وابدا ميتز تحجيمها إلى مجال تقي(حرفي) يموضع (حسيًا) حلم مشاهديها.

ولا تعد كل من صورة الشاشة المعروضة والقطع مجرد تماثل للتكثيف والإزاحة في الحلم بل هما يجعلان العلاقة بين الماضي والحاض{، والهنا والهناك، الحضور والغياب معضلة متواصلة لكل خبرة. تلك التي لا تحل أبدا.

لهذا فإن السينما الحديثة توجد في منطقة ما بين المساحات الخاصة النظرية والطبوغرافية لكل من بازان وميتز .



فمجال قوة هذه السينما الحديثة تتأرجح ما بين آنية الصورة وأداء موحد لصور متفرقة التي هى " ليست هنا" التي لا يستطيع المجال الإدراكي (الحسي) حصرها وفي هذا السياق فإن سارتر الذي لم يكن الأكثر بصرية من الفلاسفة الآخرين يمدنا ويا للمفارقة بأنطولوجيا للصورة في السينما الحديثة.

نستطيع في تجربة الحياة اليومية أن نتخيل أمورًا لا نراها ولا نسمعها ولا نشمها أو نلمسها .فنحن نتخيل أمورا متخيلة وأمورا حقيقية في غيابها بمعنى أمور حقيقية يستدعيها الخيال غير أنه يعالجها معا بشكل غير واقعي فالأمر الغائب قريب وبعيد ما، غائب عن المكان أو الزمان أو عن كليهما.

برغم هذا الوهن للجد الواضح فإن التغير من الواقعي إلى المتخيل ما زال ملموسا، شكل من الفهم مماثل للكرب الكيركجاردي في فهم العدم.

سارتر في إعادة صياغته الدائرية للتشاؤم الكيركجاردي ذهب إلى مدى أبعد من مبدأ المتعة الحسية. فيما يمكن تخيله كشيء مرغوب فيه هو كل ما هو أكثر إيلامًا حتى لا يوجد هناك، وغالبا ما يظل مرغوبا لانه لا يوجد هناك.

بشكل عام يمثل القفز الخيالي للوعي الذي يحاول تقديم خبرة جزئية أكثر تعقيدا بتعبيرات سارترية مواجهة مع العقم، ارتباطا بالعدم الذي يفرق الواقعي عن المتخيل، وعند سارتر فإن الصورة هى موضوع لا واقعي والتي حين تهمل الواقعي يكون الفعل الخيالي في ذات الوقت مؤسسا ، مفرقا يكون الفعل ماحقا. إنه يمحق الحاضر كمكان وزمان وذلك من أجل تأسيس وجوده اخاص للعقل.

جون آور

معوقات عملية الخلق في السينما الأفريقية - عثمان سيمبين " الجزء الـ3 والأخير"




لقد قلت فيما سبق أنك في عدة أفلام كنت تكتب بعض الأوراق عن مقاطع من السيناريو تريد تنفيذها كمشاهد بمفردها، في أي الأفلام فعلت ذلك؟

فعلت هذا في ساريت بوروم، فتاة سوداء و وفي فيلم آخر..إنه نياي، نياي هى قصة سفاح في القرية، وكان من السهل بالنسبة لي أن أعمل بهذه الطريقة لأنني كنت أصور في الأدغال وكان لدى حقيبة ، وفي كل بطاقة أكتب حرف أو مشهد من الفيلم لأنني كان على أن أضغط الوقت، عندما أقوم بتصوير غرفة فعلىّ أن أنتهي من تصوير المشهد بأكمله في نفس الوقت حتى لو كانت مشاهد متأخرة في الفيلم، نتحدث عن غرفة يجب أن تظهر بحالة أخرى بعد 10 أو 20 عاما من المشهد الأول، لذلك كنت أكتب في هذه البطاقات كل الشخصيات وملابسهم وحوارهم وهورهم في الغرفة وعلى أن أقف عند هذا أكثر ما يمكنني من وقت، إنه أمر لا أستطيع تغييره.

ولكن الآن في غرفتي هذه في بلومنتجون أنا أعمل على هذا الحدث الذي كان في أفريقيا خلال القرن الأخير، جيد..هنا يمكنني أن أفكر فيما أفضله وما أفعله وأسجل كل هذا، لكن عندما يحين الوقت لكي أكون هناك، أفكر في أن بلومنتجون لم تعد حقيقية بعد، ولا تنسجم مع أقول ومع طبيعة الأرض التي أريد التصوير عليها ولكن كما قلت فأنا لدى قطع صغيرة من الورق وأنا أعلم أن الارتجال لن يفيد في هذه الحالة لأنني في مكان حقيقي ولا بد لي من تصفير الأمور وإضافة أمور غيرها، ما قمت بتغييره هو شيء جديد، ويحدث في بعض الأحيان عن طريق الصدفة، كنت أفكر بالفعل في هذه السطور ولكني أرى في النهاية أنني فعلتها بطريقة لا تتفق مع الواقع.

على سبيل المثال كنت عند تاجر نبيذ، الشخص الذي يبيع الخمر إلى المواطنين في بداية هذا القرن كان لديه أباريق ضخمة وكان لديه جرار، أحببت متجره وتخيلت نفسي أنا وهذا التاجر نعد السيناريو الخاص بي، سأحمل العديد من البنادق أو أيا مما أحب إليه، ولكن عندما أذهب لتنفيذ القصة في الواقع أرى أنه ربما لا يوجد في هذا المحل الخاص به معلقات للبنادق ففي  هذا الوقت يجب أن أتخيل صورة أخرى تتناسب مع العمل، حدث آخر يحدث، ربما فإن التاجر لا يحمل بنادقه هناك، أو ربما يضعهم على الطاولة، يجب على إذن تغيير المشهد بأكمله لكي تتواءم مع هذه البنادق الموجودة على الطاولة أو في أي مكان.

لهذا السبب أقوم باستخدام هذه البطاقات لأنها بالفعل تحولت إلى لوحة الذاكرة.



كيف تختار الأدوار التي تلعبها بنفسك في أفلامك؟

نفسي؟ لأ، هناك بعض من المآزق التي تحدث، في بعض الأوقات أحصل على وعد من الممثلين بالقدوم- غالبا لا تدفع لهم جهة الإنتاج قبلها وهم يعدوني فقط بأنهم سيأتون- لكنهم لا يظهرون فيما بعد لذلك أقول أنني يمكنني أن أفعل ذلك، نعم أعتقد في هذا. على الرغم من أنني لا أخطط للعب أي أدوار في البداية ما عدا مرة طلب مني صديقي أبريل أن ألعب الدور الرئيسي في فيلمه تلك مسألة مختلفة/إنه هو من طلب مني ولكن ليست لدي خطط للقيام بأدوار في أقلامي الخاصة، لم أختار لي أي دور في فيلمي القادم لكني سأكون مستعدًا في حالة حدث غياب.

ودور الجندي في فيلم "إيميتاي" هل كانت نتيجة للصدفة؟ ( ظهر سميبين في فيلم اميتاي كجندي سنغالي الأصل في مقر قيادة الجيش المحلي -وحدة الجنرال ديجول- ويقوم الجندي برؤية لافتة ما ويقوم سمبين بكتابة تعليقات انسانية ساخرة تتميز بروح الدعابة، سمبين نفسه كان جنديا في الجيش الاستعماري الفرنسي في السنغال في هذه الفترة).

نعم كان ذلك عن طريق الصدفة، كان لدينا الممثل الذي كان منوطا به أن يفعل ذلك لكن للأسف كان لا يمكنه أن يأتي لأنه كان يعمل ككاتب لقرية اميتاي وبالتالي كان عضوا في مجلس المدينة وفي يوم التصوير حدث اجتماع لمجلس المدينة فماذا نحن فاعلون؟ كان الوقت محدودا تحت أشعة الشمس ولا يمكن أن أسمح لنفسي بوقف التصوير في كل مرة يختفي فيها شخص، تعلم في جلسة الاجتماعات هذه يمكن أن يظلوا لـ4 أو 5 أيام، لم أستطيع الانتظار ونفس الشيء فعلته في فيلم ماندابي وهلم جرا.

ولكن ماذا تعتقد؟ الجميع في طاقم العمل يظهرون في الأفلام لشغر مكان الآخرين، حتى المصور في بعض الأحيان فيقال وقتها" انتظر، المصور سوف يقوم بذلك" فآخذ الكاميرا بدلا عنه وأقوم بالتصوير لكن هذا الأمر لا نتفق عليه مسبقا.



في مانداني أنت لعبت دور الكاتب ؟ نعم.. ولقد قرأت أنك في الواقع كنت تعمل بالفعل ككاتب في قريتك، هل هما نفس الشيء؟

نعم، ولكن في هذه الحالة لا، فإنك ترى في القرية بعض الأميين في الفرنسية وهناك أمور يحتاجون أن تكتب، وأنا في الجوار لذلك أساعدهم ولو أنني غير ملزم بذلك، فعلت ذلك كثيرا وأعتقد أنه قانون الجار الطيب فأنا لا أستطيع أن أقول لا لجارتي لأنهم يعملون كصيادين، أحيانا يعطوني سمكة وكذلك كركند وخضراوت وهلم جرا، إنها ليست ثمنا لكي أخدمها وليس قانونا انه نوع من التضامن.

لدى انطباعا سيد سيمبين بأنك تفسر كل شيء ببساطة عندما شرحك اختيارك للأدوار، لقد تعلمنا بأنه هناك بيانات نظرية، ذلك نحن نسأل أنفسنا إذا ما كان أنه ليس من المصادقة لعبك دور الكاتب هنا أو الجندي في حالة أخرى- لأنك كنت بالفعل كما أخبرتنا موجودا في الجيش الفرنسي وقمت بتغيير اسم بيتان إلى ديجول، فهذه إشارات مهمة بالنسبة لك تدفعك للقيام بالدور.؟

نعم لقد عشت هذه القصة بنفسي ولكن في الفيلم لم أخطط للعب هذا الدور، وأعتقد أنه في المدارس..انظر المدارس شيء جيد، لقد كنت أريد دومًا أن أقوم بالتدريس ولكن العلاقة بين التعليم النظري والعمل الفعلي في السينما خاصة تجعل الأمور صعبة، صعبة للغاية سواء في أفريقيا أو في أمريكا أو أي مكان آخر.

السينما عملية صعبة لأن وجودها يتوقف على المال وهناك مجالات من النصاعة يرفض فيها المنتجين فقدان المال لذللك فلا يسمحوا بالارتجال إنهم يريدون شيئا مرتبا حتى يكونوا على اطمئنان للعوائد.

في أفريقيا أعتقد أنها ميزة، أن تعمل هنا لأن أغلب المخرجين يكتبون السيناريوهات الخاصة بأفلامهم ويكتبون النصوص-الحوار- وهو أمر نادر جدا أن يحدث في أي بلد أخرى هذه الأيام، إن الأفارقة مبدعين بحق في هذا الجانب ، وهم الخلاقين لإبداعهم ، صنع الفيلم واقتسامه بين شخصين ، المخرج والكاتب هذا أمر جيد ولكن في الاستوديو!، إنها قصة أخرى لأن المخرج وحده من يكون صاحب الفيلم.

قلت في يوم ما أنه بالنسبة لك فإن هناك مزيج من تقنيات السينما التي يمكن تعلمها في أوروبا، لكن أسلوب سردك الخاص لعله يساهم في طريقة رواية القصص في أفريقيا؟

نعم، روي القصص.. وربما هذا السبب يجعل السينما الأفريقي أبطأ، إنها أبطأ وأعترف بذلك، ففي كثير من الأحيان فإن الذين يصنعون الفيلم في أفريقيا لم يحضروا المدارس الأوروبية الكبيرة ومازالوا منذ فترة طويلة متعلقين بثقافتهم في القصص التي تروى، تكون القصة واضحة وبسيطة وللوهلة الأولى نقول أن هذا جيد وواضح تماما، ولكن عندما تحفر تجد الفلسفة وتجد أن هناك شيء داخل تلك البساطة.

هذه القصة التي تحدثت عنها، هل وجدتها في صحيفة "فيت دايفرس؟


لا لا، لقد قال بعض الناس هذه القصة لأن هؤلاء الناس ذهبوا إلى بوروم ساريت وناقشوا قصة هذا الصبي، هذا حدث بعد عام 1963 ولكن الناس ما زالت لا تصدق أنه في أفريقيا يمكن لأي شخص أن يذهب بمفرده لكي يدفن ولده، لكنهم صدموا عندما رأوا أن هذا يحدث ، لقد أخبروني بذلك.

ت:حسين ممدوح
 http://karasatilcinema.blogspot.com/
http://www.facebook.com/hussein.faust

الارتجال عنصر من عناصر الخلق -عثمان سيمبين "2"





عندما تقوم بتطوير أفكارك، هل تبدأ من خلال إنشاء صور فردية، أم بالاستمرار في قصتك التي تهمك؟

أعتقد أن استمرارية القصة هى الامر الذي يهمني هنا، أنا لا أعرف ما سيحدث لاحقا، فهناك أوقات يمتلكني التوجس تجاه هذه الشخصات والقيمة داخلهم التي لم أتوقع أن أجدها، فهذه الشخصيات تضغط بنفسها علىّ.على سبيل المثال إذا تحدثنا عن حالة هذ الطفل بشكل محدد فهذه الشخصيات تتصارع مع بعضها البعض أمامي، هناك هذا الأب وابنه الرضيع "الميت" الذي لا أعرفه ولا بد لي أن أخلق هذه الشخصية وأن أذهب إلى المستشفى لأرى ما حدث قبل ذلك، ربما لو رأيت إحدى الحالات تموت أمامي وسوف يتبادر إلى ذهني ما حدث هناك.في البداية علىّ أن أضع كل هذه الشخصيات في نطاق الرحلة وأحدد مواقع لهم

، والشخصيات والأفكار الأخرى تبدأ في الظهور تباعا، والأشخاص الذين تحدثوا لي أدون من خلالهم ملاحظات وأرتبها بحروف إكس، واي، وزِد

ولكن القصة تمضي على كل حال.

أنت تعني أنه في هذه اللحظة التي تصل فيها إلى موقع التصوير يكون عليك من الضروري تغيير بعض الأمور لكي تتفق مع الواقع المادي الذي وجدته؟

نعم، هذا أنا وليس الممثلين فعباراتهم هى نفسهم وما يفعلونه من أمور هي نفسها ولكن ما يتغير فقط هى الأشياء التي حولهم، على سبيل المثال دعنا نقول مثلا هذه الغرفة سنقوم بتصويرها باستثناء التلفزيون، ولكن أوه! عليك أن تُخرج التلفزيون من الصورة أو على الأقل أن تعثر على شيء يخفيه، كماترى في هذه الحالة فإن بعض الأشياء الصغيرة يمكنها أن تشجعك في أن تنشيء العمل أو تعطله.ولكن ما زال لدىّ الشك في أنه يمكن لأحد أن يعلم الجانب الإبداعي بشكل دقيق، يمكنك تعلم أساليب هذه التقنية وهذا الأمر حدث معي بالفعل،

أنت ترى أنه في موسكو مثلا هناك مدرسة للسينما ومدرسة للأدب وهلم جرا.. هذا جيد وكان معي العديد من الأفارقة الذين ذهبوا إلى هذه المدارس لكنهم تعلموا هذه الأمور بشكل مختصر، لم أبقى هناك لخمس سنوات ولم أتحصل على أي من المقررات الدراسية من الناحية النظرية ولكني كنت متحضرا لتصوير أي شيء، حتى الثلج المتساقط وبالنسبة لي فإنه يمكنك بهذه الطريقة أن تتعلم التقنية بل أنه الأمر الأكثر أهمية.عندما كنت أجد المخرجين متفرغين كنت أذهب لأسالهم: لماذا هذا؟ جيد وأدون قولهم، لماذا ذلك؟ جيد..وأدون قولهم، وعندما كانوا يملكون الوقت كانوا يخبروني: " ما الذي يتناسب؟ هذا أو ذاك..فلتراجع السيناريو"، فأقول: آ، لقد حصلت عليها، أعتقد أنه في مدارس صناعة الأفلام،

وأتكلم هنا عن المدارس التي تصنع الفيلم لا تدرس صناعته فقط ينخرطون في الكثير من النظريات حول العملية الابداعية، إنهم يهتمون بشكل كبير بالنظرية ولا يفكرون في هذه المشاكل -الأسئلة-

.هل يمكن لك أن تذكر مثالا عن هذه الأوقات التي تقوم فيها بالارتجال وأنت تقوم بالتصوير؟

في كثير من الاحيان، هناك العديد من الأمثلة ولقد تحدثت في وقتٍ سابق عن هذا الطفل الذي كان يحمل مسدسا ( سمبين هنا يقصد مشهده في فيلم "ايميتاي" حيث يتم إجبار المرأة والأطفال في القرية على الجلوس في ساحة البلدة، بيما يرفض الطفل ذلك فأثناء تصوير المشهد يفاجيء الجميع بترك مكانه ويذهب إلى البنادق المكدسة بجانب الحراس الفرنسيين، وهو عنصر غير متوقع تم صنعه في الفيلم.نفس الأمر يحدث في فيلمي الأخير أيضا، أضع الممثل في إطار الصورة وأترك الاحتمالات مفتوحة

.لأنه في بعض الأحيان تبدو كل الأمور على ما يرام عندما تقرأها في السيناريو لأنها لا تتعدى الورق، جيد، ولكن في مكان التصوير نحتاج وقتها لعناصر مترجمة للحدث وفي الكثير من الأوقات يلهمني الممثلين إليها فيأتي إلىّ ليقول: انتظر، ماذا لو فعلنا ذلك، فأنظر إليه وأقول حسنًا ثم أخبر المصور: انتظر، علينا أن نفعل ذلك إنها ليست فكرتي إنما فكرته" فيقول حسنا ونقوم بتغيير موضع الكاميرا لتصوير ما اقترحه الممثل.ثم نستمر بالعمل، إنه لا يكلفنا شيء علاوة على أنه يجعله سعيدا، ربما أحيانا يشعر الممثل بالرضا عندما نلتقت إلى مثل هذه الارتجالية منه.

على سبيل المثال في فيلمي الأخير"خالا" كان هذا الرجل من "ماندابي" الذي يلعب دور البطولة لديه زوجين من العدسات "نظارة" لم أرها معه من قبل وكان يتركها جانبا عند التصوير، عندما قمنا بالتصوير ذات مرة قام بتركيب العدستين ثم وضعهما مرة أخرى وهو نفس الشيء الذي كان يفعله في الواقع، قلت حسنا لندخل هذا الشيء البسيط ونصوره ، كان سعيدا رغم أنني لم أتوقع أن أقوم بهذا.

هناك حالات كثيرة من هذا القبيل مع النساء في أفلامي، غنني أركز على إعطاء حرية أكبر لهم مقارنة مع الرجال لأن النساء عادة يجسدون أنفسهم من خلال الأدوار الخاصة بهم، وعلى الورق نجد أن استيعابهم محدود لأننا لا نعرف كل منهم بشكل جيد للغاية، نعدل السيناريو وفقا لذلك وأعتقد أن هذا أمرا خلاقا


.خاصة في أفريقيا يختلف التصوير في اللوكيشن عنه في الهواء الطلق وتحت أشعة الشمس مباشرة، ففي الأستوديو هناك عدة خطوات محدودة يمكن للمثل القيام بها مع إضاءة الأستوديو التي تمتد لثلاثة أمتار فقط خلفه وثلاثة أمتار أمامه لذلك فلا يستطيع التحرك إلا في دائرة الـ6 أمتار هذه بينما في الخارج فإن لدىّ أكثر من 100 متر تحت تصرفي، لذلك أضع الكاميرا وقتها وأترك له الوقت والمساحة لكي يتحرك.


ت:حسين ممدوح
 http://karasatilcinema.blogspot.com/
http://www.facebook.com/hussein.faust