July 2013

Monday, 29 July 2013

اليابان، التشوه ما بين جيلين والتصالح مع الحرب - ماساكي كوباياشي


في علم الجمال الياباني، هناك فكرة تُشير إلى أن الفراغ نفسه ذات مغزى، كما في موسيقى تورو تاكيميتسو، وقد عقبر دونالد ريتشي بذلك بقوله " إن هذه الفكرة تشبه إلى حد كبير المثل الصيني الذي يقول أن الورقة الصافية الفارغة ليست فارغة حتى تقوم بوضع أول علامة او حرف عليها"، أي بمعنى آخر فإن الفراغ ليس موجودًا إلا إذا اُقتحم بشيءٍ ما، ولكن قبل ذلك فهو غير قابل للتعريف، لأن لا شيء هناك..مثل الياباني ما بعد الحرب.. ولذلك السبب رفض كوباياشي أن يكون مؤرخًا لأنه يرفض خدع ومكر من يكتبون التاريخ..

غرض صناعة فيلم مثل هراكيري؟

 كان الانتحار من العلامات الأساسية لصناعة الدراما فيه، عندما يأخذ شفرة الخزران ويثقب بها بطنه ومن المستحيل أن تجد ذلك مكتوبًا في السيناريو ولكن عند تصوير هذه العملية في الواقع فالأمر مُختلف تمامًا ولذلك فإنني قبل يومٍ من تصوير هذا المشهد ابتعدت تمامًا، حتى عن الستوري بورد "عملية رسم المشهد" وخرجت لكي أشرب، فانتم تعلمون في الستوري بورد يكون هناك الكثير والكثير من التركيز، وطرح الأسئلة التي لا حل لها ولكن في ومضة معينة يتحقق ذلك، إنها كما عملية صناعة الموسيقى، مهما يكن فقد كنت أشرب الكثير يومها ولذلك تمكنت من الذهاب في الاتجاه الوحشي وتصوير هذه العملية "شق البطن"

وأنا في حالة سُكر، ولأنه كان يتمتع بقدرٍ كبير من الوحشية فقد كانت موسيقى تاكيميتسو عاملًا مساعدًا، كانت رائعة للغاية ولقد استخدام آلة الـ"biwa" والتي تُحدث أثرًا ورنة حزينة وكانت محاصرة للمشهد بأكمله ولذلك عندما تشاهده فأنت لا ترى الإيذاء الجسدي ولكنك تستمتع بالموسيقى، كانت شخصية ميكوني في العمل تُرمز لنوعٍ من الإقطاع وكان تصوير المشهد فيه برودة وسادية جيدة للغاية.

يجب أن يتحلى المتفرجين الغير يابانيين بالوعي اللازم للابتعاد عن سوء الفهم، هذه الطريقة التي صورنا بها المشهد ليست لكي يقولون " يالها من بلد همجية" بل أن هذا المشهد الذي يُجسد طقوس الانتحار أمر بالغ الأهمية في اتساع الرؤى الانسانية، وهذه ليست سوى اليابان.

دائمًا ما سألني الصحفيين عن ما أريد من هذا الفيلم ولكن هذه ليست طريقتي فالموضوع هو من يطرح نفسه خلال عملية صناعة الفيلم.
في ذلك الوقت، عندما شاهدت أفلام فرانك كابرا أو جون فورد، هل كنت تعتقد أن أمريكا هى نفسها التي كانت في أفلامهم؟ نعم، أعتقد أن لديّ الخبرة لمعرفة ذلك وفي حالة جون فورد فقد قدم فيلم "عناقيد الغضب" والذي كان ذا توجه اجتماعي، بعمق حقيقي في العمل وفي أفلامه الذي قدمها بعد ذلك وكانت مُحفزًا لنا لتقديم فن بلا أية قيود.

وفي المهرجانات الدولية كان الصحفيين الأوروبيين يصفون بعض المشاهد بان فيها الكثير من الوحشية المفرطة وكنت أشرح لهم لماذا، بعد ذلك كنت أراهم يتجادلون فيما بينهم وكان من المثير حقًا رؤية هذه المناقشة المثيرة والصريحة.

ولكن علماء الاجتماع والمؤرخين يبحثون ويصدرون أنواعًا من النظريات، ما الموقف الذي يبحث عنه المخرج هنا وهو مُشارك في عملية الكتابة مع -شينوبو هاشيموتو-، ماذا كانت نواياك؟

حسنًا، بالطبع كنا نريد التعبير عن معارضتنا للإقطاع، هذه النقطة الرئيسية ولكن كانت هناك نقطة تتحدث حول مسألة خداع التاريخ فهناك واقع أو حادث يُحذف ولا يتم تسجيله في التاريخ الرسمي، وهو ما يعتبر نوعًا من المكر والنفاق، وهذا لا يختلف ما إذا كانت قصة حديثة أو تاريخية، نفس النوع من الأكاذيب نتلقاه يومًا بعد آخر.

فيلم "شباب اليابان" يُعتبر عند بعض الناس نُسخة حديثة من فيلم الهراكيري، إصدار جديد؟

من وجهة نظري فإن فيلم شباب اليابان والهراكيري لا يملكان نقاط مشتركة، ربما هناك علاقة أكبر بهذا الفيلم مع "هيومان كونديشين -حالة الإنسان- فهو نسخة للمواطن الياباني ما بعد الحرب، وأنا مولع بهذا العمل لأنه يشبهني ، أعتقد اننا متشابهان جدًا وحتى الآن ما زلت أطنطن بموسيقى الفيلم فهى تُعبر عن مسألة الفجوة الحادثة بين جيلين.

من حيث الموسيقى، هناك اختلاف كلي بين فيلمي كوايدان وهراكيري وبين فيلم شباب اليابان أليس كذلك؟

أعتقد أنها كانت قصة ذات الأجزاء الكوميدية والساخرة فيهما، أي كوميديا؟ صحيح إنها ليست كذلك فهناك مشاعر قوية مناهضة للحرب ولكن من ثُم تتحول قضية البطل إلى لوسائل الدفاع الذاتي، يبقى في نفس المكان ولكنه يحاول التغلب على عقبات معينة في حياته وفي محادثته الأخيرة مع ابنه وبعد كل هذه الحوادث الذي مر بها تمكن في نهاية المطاف من عبور الخط السابق في حياته، ولكن ضمن حدود شخصيته.

على وجه التحديد كيف تجاوز خطه السابق؟

بعبارة أخرى كانت الشخصية الرئيسية قد ذبلت، بدأت في كراهية حياته وعائلته، كما لو كان قد اختفى وتبخر، وكانت إلى حد بعيد ظاهرة اجتماعيةن وتطورت مع مشكلته في اختيار ابنه لصديقته، حيث اكتشف الرجل أن والدها كان هو قائده الخاص في أثناء فترته في الجيش، كانت هذه هى الآزمة ، بدايتها وظهرت مع حبيبة ولده.

ولكنه يقرر أن يتصالح ويتسامح مع حياته السابقه ، مضطرًا لاكتشاف طريقة جديدة للعيش، وأعتقد أنني وجدت وقتها هذا النموذج الأمثل لنهاية الفيلم.

إذن فقد نجح في أن يتغلب على أزمته ويعود لحياته القديمة؟

التجاوز والتخلي عن الأزمة هو أمر يختلف عن الاستسلام، لقد حل مشاكله القديمة بطريقة خاصة، فنفسه القديمة لم تعد موجودة وحتى مسألة الدفاع الذاتي عن ما حدث له في الحرب، في المشهد الأخير يسير نجله مع صديقته والتي تقول له "مهما حدث، لا تلجأ لوسائل الدافع الذاتية أبدًا".

Sunday, 28 July 2013

الموسيقى والصوت الواقعي في أفلام كوباياشي



المُخرج الياباني العظيم، ماساكي كوباياشي في حوار سابق له بتاريه 1993 تحدث عن دور الموسيقى في أفلامه، وأفلام كوروساوا، أعماله كانت تُمثل تمردًا على أفكار المجتمع التقليدية، السحر والأساطير والمرأة والحرب..ومع ذلك فقد كان أقل حِدة ومباشرة من غيره.



في كثير من الأحيان يتم استخدام الموسيقى ليدعم هذا التدفق الفيلمي، ولكن نرى أنك تجعل الموسيقى تصطدم بالقصة، فهل تعتقد أن الموسيقى المستخدمة من هذا النوع تكون فعالة معك؟

-بشكلٍ عام، الطريقة التي استخدم بها الموسيقى تكون بعد الانتهاء من التصوير والمونتاج، أُقدم الصور للموسيقي الذي يزورنا ونحن نصور بالفعل لكن عندما تكتمل الصورة بصريًا فالامر مختلف، فالموسيقي يواجه الصورة ومن هنا تبدأ الإشكالية بين المؤلف والمخرج والموسيقي، الذي عندما يتفاعل مع العمل يكون لديه تفكير آخر، ما هو النوع الأكثر فاعلية، مثل ما حدث بيني وبين "تاكيميتسو" فعند استخدام موسيقى متدفقة التأثير فقد يُفسد ذلك الشعور الكام من الصورة ولذلك فقد تفطن تاكيميتسو لذلك بذكاء واكنت لديه قدرة على الفهم العميق لما تعنيه الصور التي قدمها المخرج.

في فصل "الشعر الأسود" من فيلم كوايدان كانت هناك موسيقى سريالية، بشكلٍ فائق للغاية فماذا كان تفكيرك ناحيتها؟

-نعم هذا كلام دقيق، لأن اتجاه القصة كان يسعى لإحداث هذا التأثير فيك وفي تاكيميتسو الذي قرر اعتماد هذا النهج على الفور وقرر أن يستخدم "أصوات" مُجرد أصوات حقيقية فعندما عاد البطل لزوجته المهمشة في بيتها المتهالك استخدمنا صوت حقيقي "صوت قطع الأشجار" لقد كان مشهدًا لما يعني البيت المتهالك بعد حنينه إلى بلدته الأم، كانت هذه هى الكلمات التي نطقها البطل بدون حوار، فقط بالموسيقى.

إننا لا نريد تحريك وإشعال الجمهور كهدف، بل أن يحدث ذلك بتأثيرٍ غير مباشر وغير متوقع، مُختلف تمامًا عن ما كان متوقعًا، الموسيقي الجيد ليس البسيط والذي يمكن أن تستكشف ما يقدمه.


مشكلته مع أكيرا كوروساوا؟

أوه، نعم..كانت لديه دومًا مشكلة فيما يتعلق بعمله غالبًا مع كوروساوا ..ولكنه تحاشى ذلك معي في فيلم تمراد الساموراي حيث كانت جمل ميفان صعبة الفهم والسماع بسبب موسيقاه ولأن الحوار كان يُقال بصوتٍ خفيض، ولكنه عالج ذلك بنوعيات مختلفة من الأصوات، أصوات جميلة لم يكن تحدث أي تشتيت أو تشويه لصوت الممثل، نبرة الممثل التي كانت تقول الكثير بدورها ولذلك فقد كان عمله أكثر من مجرد شخص يعمل بالموسيقى بل هو مشرف عام ومُتقن في عملية التعديل.

في فيلم محاكمات طوكيو استخدم 9 دقائق فقط من أصل 4 ساعات للموسيقى وما تبقى كانت مجرد أصوات، أصوات حقيقية مستندة إلى الواقع، وهذه مسئولية كبيرة لأنك يجب أن تكون عاطفيًا في التعامل معها وأن تخدم العمل.

هذا يعني أنه ربما كان يأخذ عدة أشهر للقيام بهذا الدور، أكثر من الوقت الذي يعمل فيه لأجل تسعة دقائق من الموسيقى، أليس كذلك؟

نعم، معظم الأفلام الوثائقية الآن تبدأ بالموسيقى وتنتهي بها، بل في الواقع فإن الموسيقى تكون من البداية حتى النهاية، وقد طلبت مني شركة الانتاج أن لا يكون فيلمي الذي يمتد لأربع ساعات ونصف داعيًا للنوم، وكان هذا يعني مثلًا أن يكون بدون موسيقى؟ لا ، كان هذا تحديًا وإنجازًا خاصة في المونتاج وكيفية استخدام النص.

كانت أول تجربة لي في الأفلام الوثائقية وأنا مخرج روائي أو سردي وكان هذا هو التحدي الأصعب ولذلك أردت تقديم عمل وثائقي يقترب من معايير الفلم السردي، قمنا بتقييد استخدام الموسيقى إلا في الأجزاء التي تعرض ضحايا الحرب الأبرياء، على سبيل المثال اغتصاب نانجينج وتدمير هيروشيما وكانت الموسيقى نوع من مرثية لهؤلاء.

- ماهو الدور الذي تلعبه هذه المقاطع الوجيزة من الموسيقى في الفيلم؟

في بداية الفيلم، تجد مشاهد لتصوير ضحايا الحرب طوال الوقت وفي هذه المشاهد يتم إدخال الموسيقى بوضوح، تدمير هيروشيما بقنبلة ذرية أو مذبحة نانجينج حينما تم قمع الصينين بقسوة من جانب اليابانيين، هذه المشاهد تتكرر طوال الفيلم ولذلك كان لا بد من استخدامها بشكلٍ وجيز ولكن جعلها مرتوية بالموسيقى إلى حدٍ بعيد، نعم.

ماذا عن موضوعك أنت وأفكارك حول التاريخ من خلال أعمالك؟

أعتقد أن كل ما قدمته كان يصطدم بالسلطة، في فيلم "هيومان كونديشين" أعتقد أنني قمت بذلك بأكمل صورة، ولكن حتى في فيلم "الهراكيري" وتمرد الساموراي كان هناك تحديًا للسلطة، جاء من منبع حياتي الخاصة، بما ذلك تجربتي في الجيش ومعارضتي للنزعة والمنظمات العسكرية في هذه الأيام، كانت هناك رقابة صارمة ولا يمكن أن نناقش شيئًا في العلن، ولكن بعد الحرب جاءت الفرصة والوقت لمناقشة مباشرة حول هذه القضايا.

هل كان من الممكن تقديم فيلم مثل الهراكيري خلال او بعد الحرب؟ لم يكن ممُكنا
كانت هناك رقابة صارمة للغاية، نعرف كيسوكي كينوشيتا والذي كان يعمل كمونتير برفقتي والذي قام بتدقيم فيلم "آرمي" في عام 1944 وقد كان فيلماًا ضد عقلية الحرب وكان فيلمًا لطيفًا ولكن بعد ذلك مُنع من عمل أي أفلام واختفى تمامًا.

يُتبع..

Saturday, 13 July 2013

عندما سكنت الأشباح شاشة عرض جاك دريدا


عندما سكنت الأشباح شاشة عرض جاك دريدا



كان يشتري التذاكر مرارًا في وقتٍ مبكر ليضمن التواجد بين المقاعد المزدحمة بالعيون اللامعة والترقب لتلك الأفلام التي جاءت إليهم في الجزائر من نيويورك وكاليفورنيا، كان جاك يجلس بهيئة أحد من لم تسنح له الفرصة بملاقاة فتاته إلا في السينيما، بل لأنه كان حريصًا على معرفة وإعادة اكتشاف العلاقة الشعبية التي لا تخفت بتلك الآلة التي صدرت الأشباح من هوليوود للبلاد الأمازيغية.
الفيلم هو شبح، يقول دريدا - إن جلسة تحضير الأرواح تأخذ وقتًا أقل بقليل مما مما تأخذها السينما في فعل فعلتها بالرجل المثقف، أو المرأة المنزلية، بالعامل الريفي أو بغيرهم.

علاقة الجمهور بالصورة؟ أعترف أنني أشعر بشدة السخف من الكلمات، فالناس علاقتهم الأصيلة بالصور، والجهد الذي يتطلب ترجمة مقال أو كتابة مقال شخصي عن هذا الفيلم أو غيره لا يأخذ تقديرًا كصورة لحلمة مونيكا بيلوتشي اليسرى. يقول دريدا - ما يزعجني قليلًا أن عمل كمجلة كراسات السينما الفرنسية هى من تمثل العلاقة النظرية الوحيدة بالسينما في هذا الوقت-.

إن السينما مازالت تمتعني بشكلٍ مخفي وسري، هناك الجشع والنهم دومًا للتعرف على أشكال العاطفة المختلفة، وحقيقة كل إسقاط، مع ذاكرة حاضرة ونشطة نكون في موقف "المُتلصص" في الظلام، إنه بمثابة تحدي الحظر -المفروض على إنسان هذا العصر- بأي صورة من الصور.

كان جاك معتادُا على الهدوء المسيطر على الأفلام الفرنسية، العمل على شريط الصوت مع مناظر طبيعية خلابة والاهتمام بالديكورات، ولكن في الأربعينات جاءت السينما الفرنسية بثقافة الموسيقى والرقص والسجائر، والتي فرضت نفسها بسرعة، رافقته أفلام السينما الأمريكية في فترة دراسته كإدمان، كترفيه نادر، ووحشي.

يقول دريدا "الصورة السينمائية قادرة على إحداث اتصالات واضحة مع اللا وعي وفي السينما من السهل أن تكون في علاقة مباشرة وواضحة لعملية التحليل النفسي، من مشهد لآخر، يشعر المتفرج وكانه في عملية تنويم مغناطيسي، سحر منوم بين أشباح غرفة مظلمة، كتحضير الأوراح، والسماح لأطياف أخرى من الكائنات أن تسكن الشاشة، إن ما يُقارب بين السينما والتحليل النفسي هو أن "نُفكر معًا".

تصوير الكلمات على حافة فيلم- كتاب لدريدا - عن تجربة السينما ومواجهتها ، على الورق، دريدا وكلماته التي كانت تأتي دومًا من مُعلِم يتحدث من عليائه المعرفية أو أنه متخصص ولكن  كرجل بسيط يُفكر ويعود لأنطولوجيا الفيلم، مراهقته وشبابه مع أشباح شاشة العرض.